(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليُراجعها"، هل هو للوجوب، أم للاستحباب؟

ذهب إلى القول بالاستحباب الأئمة: أبو حنيفة، والشافعيّ، وأحمد في المشهور عنه، وحكاه النوويّ عن سائر الكوفيين، وفقهاء المحدّثين.

وذهب مالك، وأصحابه إلى أنه للوجوب، يجبر على المراجعة ما بقي من العدّة شيء، وقال أشهب: ما لم تطهر من الثانية، فان أبى أجبره الحاكم، فإن أبى ارتجع الحاكم عليه، وله وطؤها بذلك على الأصحّ.

قال الحافظ وليّ الدين: وما تقدّم عن أبي حنيفة من الاستحباب هو المشهور في كتب الخلاف، وممن حكاه عنه النوويّ، لكن حكاه صاحب "الهداية" عن بعض المشايخ، ثم قال: والأصحّ أنه واجبٌ؛ عملًا بحقيقة الأمر، ورفعًا للمعصية بالقدر الممكن برفع أثره، وهو العدّة، ودفعًا لضرر تطويل العدّة. انتهى.

وقال داود الظاهريّ: يُجبر على الرجعة إذا طلّقها حائضًا، ولا يُجبر إذا طلّقها نفساء. وذكر إمام الحرمين أن المراجعة، وإن كانت مستحبّةً، فلا ينتهي الأمر فيه إلى أن نقول: ترك المراجعة مكروه.

قال النوويّ في "الروضة": وينبغي أن يقال بالكراهة؛ للحديث الصحيح الوارد فيها، ولدفع الإيذاء.

وحكى ابن عبد البرّ خلافًا في سبب الأمر بالرجعة، قيل: عقوبةٌ له، وقيل: دفع للضرر عنها بتطويل العدّة عليها، فلو ادعت المرأة أنه طلّقها في الحيض، وقال الزوج: في طهر، فقال سحنون: القول قولها، ويجبر على الرجعة، والأصحّ أن القول قوله، قاله في "طرح التثريب" (?).

وقال في "الفتح": والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها، ولأن الطلاق لما كان محرّمًا في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة، فلو تمادى الذي طلّق في الحيض حتى طهرت قال مالكٌ، وأكثر أصحابه: يُجبر على الرجعة أيضًا، وقال أشهب منهم: إذا طهرت انتهى الأمر بالمراجعة، واتفقوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015