وقال ابن دقيق العيد: لا ينبغي أن يتردّد في اقتضاء ذلك الطلب، وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الأمر هل هي لوازم صيغة الأمر بالأمر أو لا؟ بمعنى أنهما يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أو لا، قال الحافظ: وهو حسنٌ، فإن أصل المسألة التي انبنى عليها هذا الخلاف حديث: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع"، فإن الأولاد ليسوا بمكلّفين، فلا يتّجه عليهم الوجوب، وإنما الطلب متوجّه على أوليائهم أن يُعَلِّموهم ذلك، فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق، وليس مساويًا للأمر الأول، وهذا إنما عرض من أمر خارج، وهو امتناع توجه الأمر على غير المكلّف، وهو بخلاف القصّة التي في حديث الباب.

والحاصل أن الخطاب إذا توجّه لمكلّف أن يأمر مكلّفًا آخر بفعل شيء كان المكلّف الأول مبلّغًا محضًا، والثاني مأمور من قبل الشارع، وهذا كقوله لمالك بن الحويرث، وأصحابه: "ومروهم بصلاة كذا في حين كذا"، وقوله لرسول ابنته - صلى الله عليه وسلم -: "مرها، فلتصبر، ولتحتسب"، ونظائره كثيرة، فإذا أمر الأول الثاني بذلك، فلم يمتثله كان عاصيًا، وإن توجّه الخطاب من الشارع لمكلّف أن يأمر غير مكلّف، أو توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء، فالصورة الأولى هي التي نشأ عنها الاختلاف، وهو أمر أولياء الصبيان أن يأمروا الصبيان، والصورة الثانية هي يتصوّر فيها أن يكون الأمر متعدّيًا بأمر للأول أن يأمر الثاني، فهذا فصل الخطاب في هذه المسألة، والله المستعان، قاله في "الفتح" وهو تحقيق حسن.

وقد نظمت هذه المسألة في "التحفة المرضيّة"، فقلت:

وَالأَمْرُ بِالأَمْرِ بِشَيْء لَا يُرَى ... أَمْرًا بِهِ نَحْوُ "مُرُوا" كَمَا جَرَى

"أَوْلَادَكُمْ" لَيْسَ خِطَابًا لِلصّبِي ... بَلِ الْوُجُوبَ لِلْوَلِيِّ نَجْتَبِي

وَإِنْ يَكُنْ حَصَلَ مَا دَلَّ عَلَيْهْ ... كَـ "فَلْيُرَاجِعْهَا" فَيُصْرَفُ إِلَيْهْ

وإن أردت تحقيق معنى الأبيات، فراجع الشرح (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015