ذلك من الشكوك، وقد فعل ذلك بعض المتقدّمين كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك، وكلّ ذلك مخالفٌ للنهج العلميّ المجرّد عن الانتصار لشيء سوى الحقّ.

على أن ابن وهب لم يتفرّد بإخراج الحديث، بل تابعه الطيالسيّ، كما تقدّم، فقال: حدّثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه طلّق امرأته، وهي حائضٌ، فأتى عمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له، فجعله واحدة".

وتابعه أيضًا يزيد بن هارون، نا ابن أبي ذئب به، أخرجه الدارقطنيّ من طريق محمد بن إشكاب، وهو ثقة من شيوخ البخاريّ، - وكذا بقية الرجال ثقات - نا يزيد بن هارون. وتابع ابنَ أبي ذئب ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: واحدة"، أخرجه الدارقطنيّ أيضًا، عن عياش بن محمد، وهو ثقة، نا أبو عاصم، عن ابن جريج، وهو إسناد صحيح، إن كان ابن جريج سمعه من نافع. وتابع نافعًا الشعبيّ بلفظ أنه - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ثم يحتسب بالتطليقة التي طلّق أول مرّة"، وهو صحيح السند، كما تقدم.

وكلّ هذه الروايات مما لم يقف عليها ابن القيّم - رحمه الله -، وظني أنه لو وقف عليها لتبدّد الشكّ الذي أبداه في رواية ابن وهب، ولصار إلى القول بما دلّ عليه الحديث من الاعتداد بطلاق الحائض. انتهى كلام الشيخ الألبانيّ: - رحمه الله - باختصار، وهو تحقيقٌ مهمّ، ونفيس جدًّا.

وخلاصة القول في المسألة أن الصحيح قول الجمهور الذين قالوا: إن طلاق الحائض يقع، وإن كان حرامًا؛ لوضوح أدلّته، وقوّة حجّته، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليُراجعها": قال الشيخ ابن دقيق العيد - رحمه الله -: تتعلّق به مسألة أصوليّة، وهي أن الأمر بالأمر بالشيء، هل هو أمرٌ بذلك الشيء، أم لا؟ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: "مُره"، فأمره بأن يأمره.

قال في "الفتح": هذه المسألة ذكرها ابن الحاجب، قال: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء، لنا لو كان لكان مُر عبدك بكذا تعدّيًا، ولكان يُناقض قولك للعبد: لا تفعل. قالوا: فُهم ذلك من أمر الله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن قول الملك لوزيره: قل لفلان: افعل. قلنا: للعلم بأنه مبلّغٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015