(الأول): كثرة الطرق، فإنها ستة: ثلاث منها مرفوعة، وثلاث أخرى موقوفة، واثنان من الثلاث الأولى صحيحةٌ، والأخرى ضعيفة، وأما القسم الآخر، فكلّ طرقه ثلاث: اثنان منها صحيحة أيضًا، والأخرى ضعيفة، فتقابلت المرفوعات في القسمين قوّةً وضعفًا، وبقي في القسم الأول الموقوفات الثلاث فضلة، يترجّح بها على القسم الآخر، لا سيّما وهي في حكم المرفوع؛ لأن معناها أن عبد الله بن عمر عمل بما في المرفوع، فلا شكّ أن ذلك مما يعطي المرفوع قوّةً على قوّة كما هو ظاهر.
(والوجه الآخر): قوّة دلالة القسم الأول على المراد دلالة صريحةً لا تقبل التأويل، بخلاف القسم الآخر، فهو ممكن التأويل بمثل قول الإمام الشافعيّ: "ولم يرها شيئًا" أي: صوابًا، وليس نصًّا في أنه لم يرها طلاقًا، بخلاف القسم الأول، فهو نصّ في أنه رآها طلاقًا، فوجب تقديمه على القسم الآخر، وقد اعترف ابن القيّم - رحمه الله - بهذا، ولكنه شكّ في صحّة المرفوع من هذا القسم، فقال: وأما قوله في حديث ابن وهب، عن ابن أبي ذئب في آخره: "وهي واحدة" فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قدّمنا عليها شيئًا، ولصرنا إليها بأول وَهْلة، ولكن لا ندري أقالها ابن وهب من عنده، أم ابن أبي ذئب، أو نافع؟ فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يُتيقّن أنه من كلامه، ويشهد به عليه، ونرتّب عليه الأحكام، ويقال: هذا من عند الله بالوهم والاحتمال.
قال الشيخ الألباني: وفي هذا الكلام صواب وخطأ.
أما الصواب: هو اعترافه بكون هذه اللفظة نصًّا في المسألة يجب التسليم بها، والمصير إليها لو صحّت.
وأما الخطأ: فهو تشككه في صحتها، وردّه لها بدعوى أنه لا يدري أقالها ابن وهب من عنده. . . وهذا شيء عجيب من مثله؛ لأن من المتّفق عليه بين العلماء أن الأصل قبول رواية الثقة كما رواها، وأنه لا يجوز ردّها بالاحتمالات والتشكيك، وأن طريق المعرفة هو التصديق بخبر الثقة، ألا ترى أنه يمكن للمخالف لابن القيّم أن يردّ حديثه: "فردّها عليّ، ولم يرها شيئًا" بمثل الشكّ الذي أورده هو على حديث ابن وهب بالطعن في أبي الزبير؟ ونحو