ومراده - صلى الله عليه وسلم - بالحديث المعنى الأول، دون الثاني؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى نظر في كونه يضرّ الولد، حتى احتاج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ينظر إلى أحوال غير العرب الذين يصنعون ذلك، فلما رأى أنه لا يضرّ أولادهم لم يَنْهَ عنه، وأما الثاني، فضرره معلومٌ للعرب، وغيرهم، بحيث لا يحتاج إلى نظر، ولا فكر.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كون المراد من الحديث المعنى الأول فقط، مع أن أهل اللغة أثبتوا المعنيين محلّ نظر، والله تعالى أعلم.
قال: وإنما همّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن الغِيلة لما أكثرت العرب من اتقاء ذلك، والتحدّث بضرره، حتى قالوا: إنه ليدرك الفارس، فيُدعثره عن فرسه، قال: ثم لما حصل عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يضرّ أولاد العجم سوّى بينهم، وبين العرب في هذا المعنى، فسوّغه، فيكون حجة لمن قال من الأصوليين: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم بالرأي والاجتهاد. انتهى كلام القرطبيّ- رحمه الله - باختصار (?).
(حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ فَارِسَ) لقب قبيلة، ليس بأب ولا أمّ، وإنما هم أخلاط من تَغْلِب اصطلحوا على هذا الاسم (وَالرُّومَ) بضمّ الراء نسبة إلى روم بن عيصو بن إسحاق (يَصْنَعُونَ ذَلِكَ) أي يفعلون المذكور من الغِيلة (فَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ") وفي الرواية التالية: "فنظرت في الروم، وفارس، فإذا هم يُغيلون أولادهم، فلا يضُرّ أولادهم ذلك شيئًا".
قال الحافظ أبو عمر: هذا يردّ كلّ ما قاله الأخفش، وحكاه عن العرب، وذلك من أكاذيب العرب، وظنونهم، ولو كان ذلك حقًّا لنهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جهة الإرشاد والأدب، فإنه كان - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على نفع المؤمنين رؤوفًا بهم، وما ترك شيئًا ينفعهم إلا دلّهم عليه، وأمره به - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (?).
وقوله: (قَالَ مُسْلِم) بن الحجّاج، صاحب الكتاب، ثم إنه يَحْتَمل أن يكون من كلامه، وهو الظاهر، ويَحْتَمل أن يكون ملحقًا من الراوي عنه (وَأَمَّا خَلَفٌ) يعني هشام شيخه الأول (فَقَالَ: عَنْ جُذَامَةَ الْأَسَدِيَّةِ) أي بالذال المعجمة (وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ يَحْيَى) بن يحيى شيخه الثاني، وهو أنها جُدَامة (بِالدَّالِ) المهملة، وهذا قد تقدّم في ترجمتها أنه قول جمهور العلماء.