وقال الأخفش: الغِيلة، والغِيل سواء، وهو أن تلد المرأة، فيغشاها زوجها، وهي تُرضع، فتَحْمِل، فإذا حملت فسد اللبن على الصبيّ، ويفسد به جسده، وتضعف قوته، حتى ربّما كان ذلك في عقله، قال: وقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيه: "إنه ليدرك الفارس، فيُدعثره عن سرجه" (?)، أي يضعُف، فيسقط عن السرج، قال الشاعر [من الوافر]:
فَوَارِسُ لَمْ يُغَالُوا فِي رَضَاعِ ... فَتَنْبُوا فِي أَكُفِّهِمُ السُّيُوفُ
يقال: قد أغال الرجل ولده، وأُغيل الصبيّ، وصبيّ مُغالٌ، ومُغْيَلٌ: إذا وَطِئ أبوه أمّه في رضاعه، قال امرؤ القيس [من الطويل]:
فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعِ ... فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُغْيَلِ
وقال بعض أهل اللغة: الغِيلة أن تُرضع المرأة ولدها، وهي حاملٌ، وقال غيره: الغيل نفس الرضاع. انتهى (?).
وقال أبو العبّاس القرطبيّ بعد أن ذكر المعنيين السابقين: والحاصل أن كلّ واحد منهما يقال عليه غِيلة في اللغة، وذلك أن اللفظ كيفما دار إنما يرجع إلى الضرر والهلاك، ومنه تقول العرب: غالني أمر كذا: أي أضرّ بي، وغالته الْغُول: أي أهلكته، وكلّ واحدة من الحالتين المذكورتين مُضرّةٌ بالولد، ولذلك يصحّ أن تُحمل الغيلة في الحديث على كلّ واحد منهما.
فأما ضرر المعنى الأول، فقالوا: إن الماء - يعني المنيّ - يُغيل اللبن: أي يفسده، ويُسأل عن تعليله أهل الطبّ.
وأما الثاني، فضرره بيّن محسوسٌ، فإن لبن الحامل داء، وعلّةٌ في جوف الصبيّ، يظهر أثره عليه.