قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج، ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها؛ إظهارًا للقدرة وإتمامًا لعجائب الصنعة، وتحقيقًا لما سبقت به المشيئة وحقّت به الكلمة وجرى به القلم.
وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه، هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة، حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزبًا.
الأول: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان.
والثاني: طلب محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تكثير من به مباهاته.
والثالث: طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده.
والرابع: طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله.
(الفائدة الثانية): التحصن من الشيطان، وكسر التَّوَقان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج، وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء".
(الفائدة الثالثة): ترويح النفس، وإيناسها بالمجالسة، والنظر، والملاعبة، وفي ذلك إراحة للقلب، وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملولٌ، وهي عن الحق نَفُورٌ؛ لأنه على خلاف طبعها، فلو كُلِّفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جَمَحَتْ وثابت، وإذا رُوِّحت باللذات في بعض الأوقات قَوِيت، ونَشِطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب، ويروح القلب، وينبغي أن يكون لنفولس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
(الفائدة الرابعة): تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس، والفرش، وتنظيف الأواني، وتهيئة أسباب المعيشة، فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده؛ إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرغ للعلم والعمل، فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق، واختلال هذه الأسباب شواغل، ومشوشات للقلب، ومنغصات للعيش.