ووقع في رواية النسائيّ: "فَمُنِعْنَا أن نستثبت أبا هريرة" ببناء الفعل للمفعول.
(أَنْ نَسْتَثْبِتَ أَبَا هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ)؛ أي: نطلب منه ثبوت كون الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -، قال في "اللسان": واستثبت في أمره: إذا شاور، وفَحَصَ عنه.
فقوله: "أن نَستثبت. . . إلخ" في تأويل المصدر مفعول ثان لـ "مَنَعَنَا" على الأول، وعلى الثاني يكون مجرورًا بـ "مِنْ" محذوفةً قياسًا، كما قال في "الخلاصة":
وَعَدِّ لَازِمًا بِحَرْفِ جَرِّ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لِلْمُنْجَرِّ
نَقْلًا وَفِي "أَنَّ" و"أَنْ" يَطَّرِدُ ... مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَـ "عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا"
والتقدير هنا: منعنا من استثباته في ذلك الحديث.
(حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ أَبُو هُرَيْرَةَ تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ) الحديث (وَتَلَاوَمْنَا)؛ أي: لام بعضنا بعضًا؛ أي: عَذَله (أَنْ لَا نَكُونَ كَلَّمْنَا أَبا هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ) والمصدر المؤول مجرور بـ "على" مقدرةً؛ أي: عَذَل بعضنا بعضًا على عدم تكليمنا إياه في شأن هذا الحديث (حَتَّى يُسْنِدَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْهُ) - صلى الله عليه وسلم -، ووقع في "السنن الكبرى" بلفظ: "حتى نسنده" بالنون بدل الياء؛ أي: حتى نرويه مسندًا إليه - صلى الله عليه وسلم - (فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ) أي: على ذكر شأن ذلك الحديث، وتلاومهم على تقصيرهم في عدم الاستثبات فيه.
وأصل "بينا": "بَيْنَ"، فأشبعت فتحتها، فصارت ألفًا، ويقال: "بينما"، و "بينا"، وهما ظرفا زمان، بمعنى المفاجأة، ويضافان إلى الجملة؛ فعليةً كانت أو اسميةً، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، وقد يقترن بـ "إذ"، و "إذا" أحيانًا، وقد تقدَّم البحث في هذا مستوفًى.
فـ "بينا" هنا مضافة إلى جملة "نحن على ذلك"، وجوابها قوله: (جَالَسَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ) المدنيّ (فَذَكَرْنَا ذَلِكَ الْحَدِيثَ، وَ) ذكرنا الأمر (الَّذِي فَرَّطْنَا فِيهِ) أي: قَصَّرنا فيه، يقال: فَرَّط في الأمر، تفريطًا: قَصَّر فيه، وضَيَّعه، وأفرط إفراطًا: أسرف، وجاوز الحد، قاله الفيوميّ - رحمه الله -.
وقوله: (مِنْ نَصِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ) بيان للموصول؛ أي: من رفعه الحديث