الحبل، وشُدّ الرَّحْلَ، بكسر المدغم فيه منها، فيقال حينئذ: "ما لم تصفر" بالكسر أيضًا، وغير الفصحاء لا يزالون على أصلهم من الفتح، ولو لقي آخرَ الفعل ساكنٌ؛ وعليه فيقال: "ما لم تصفرَّ" بفتح الراء، وعليه فجميع العرب يكسرون آخر الفعل إذا لقيه ساكن، إلا غير الفصحاء، ممن لغتهم الفتح، فإنهم يفتحونه.
فلما فرغ الشلوبين، أنشد الشيخ (من الخفيف):
ذُو المَعَالِي فَلْيَعْلُوَنْ مَنْ تَعَالَى ... هَكَذَا هَكَذَا وَإلَّا فَلَا لَا
وقد نظم هذا التفصيل العلامة القاضي الولي الصالح أبو العباس سيدي أحمد بن الحاج، فقال [من الرجز]:
إنْ جُزِمَ الْفِعْلُ الَّذِي قَدْ شُدِّدَا ... آخِرُهُ كَلا تَضُرَّ أَحَدًا
فَاكْسِرهُ مُطْلَقًا لِقَوْمٍ وافْتَحَا ... لآخَرِينَ ثُمَّ إنَّ الفُصَحَا
مِنْ هَؤلاءِ حَيْثُ يَلْقَى ساكِنَا ... يَأْتُونَ بِالْكَسْرِ كَسُرِّ الْحَزَنَا
ثَالِثَةُ اللُّغَاتِ أن يُتْبَعَ مَا ... يَلِي فَإثْرَ ضَمَّةٍ لَهُ اضْمُمَا
وَافْتَحْهُ بَعْدَ فَتْحَةٍ أوْ أَلِفِ ... وبَعْدَ كسْرَةٍ لَهُ الْكَسْرُ يَفِي
إلا بِنَحْوِ مُسُّهُ وَفِرُّهُ ... فَالضَّمُّ عِنْدَهُمْ كَلا تُمِرُّهُ
وَنَحْوَ رُدَّهَا وَحُبَّهَا افْتَحَا ... لِصِلَةٍ وَخِفَّةٍ قَدْ أُوضِحَا
وَنَحْوُ غُضِ الطَّرْفَ عَضِ اللَّحْمَا ... فَاكْسِرْهُ لِلسَّاكِنِ فَابغِ الْعِلْمَا
انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب.
(فَمَنَعَنَا ذَلِكَ) ببناء الفعل للفاعل، و"نا" مفعول مقدّم، واسم الإشارة فاعل مؤخّر، وأشار به إلى قوله: "لم نشكّ. . . إلخ"؛ أي: منعنا من الاستثبات عدم شكّنا في كون أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول ذلك ناقلًا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
و"مَنَعَ" فعل متعدٍّ إلى اثنين، قال الفيّوميّ - رحمه الله -: منعته الأمرَ، ومنعته من الأمر، منعًا، فهو ممنوع؛ أي: محروم، يتعدى إلى مفعولين تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر إلى الثاني. انتهى (?).