كيف تضبطون الراء من قوله: "ما لم تصفرّ الشمس"؟ فقالوا بأجمعهم بالفتح، ما عدا أبا بكر، فإنه بقي ساكتًا.
فأنشد الشيخ:
أوْرَدَها سَعْدٌ وَسَعْدٌ مُشْتَمِلْ ... مَا هَكَذَا يَا سَعْدُ تُورَدُ الإبِلْ
ثم التفت إلى أبي بكر، وقال: ما تقول أنت؟ فقال: إن العرب على ثلاث فِرَقٍ، مُتْبِعُون، وكاسرون، وفاتحون.
فالمتبعون، يُتبعون الحرف المضعَّف لحركة الحرف الذي قبله؛ فإن كانت ضمة ضمّوه، نحو: لم يردُّ، ورُدُّ، وإن كانت فتحة، أو ألفًا فتحوا، نحو: لم يَعَضَّ، وعَضَّ، وقوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233]، وإن كانت كسرة كسروه، نحو لم يفرِّ، وفرِّ يا عمرو، إلا في ثلاثة مواضع، فإنهم لا يتبعون لما قبله:
أحدها: إذا اتصل بالفعل ضمير مذكر غائب، فإن المتبعين إنما يتبعون لحركة الضمير، فيقولون: لم يَفِرُّهُ، وفِرُّهُ، بضم الراء فيهما، ولم يَعَضُّهُ، بضم الضاد، وعليه يخرج قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقعة: 79] إن قلنا: إن "لا" ناهية، لا نافية.
ثانيها: إذا اتَّصَل بالفعل ضمير مؤنث غائب، نحو رُدَّهَا، ولم يَرُدَّهَا، وفِرّها، بفتح الحرف المدغم فيه اتباعًا لحركة الهاء، وإنما أتبعوا حركة الهاء في الموضعين لخفة الهاء، فلم يعتدوا بها فاصلًا، فكأن الضمةَ باشرت واو الصلة، والفتحةَ باشرت ألف الصلة.
ثالثها: إن لقي آخرَ الفعل ساكنٌ من كلمة أخرى، لامُ تعريف، أو غيرُها، فيرجع المتبعون هنا للكسر، نحو غُضّ الطرفَ، وعليه يقال: "ما لم تصفرّ الشمس" بكسر الراء، لا غير.
والفرقة الثانية: الكاسرون؛ يَكسِرُون آخرَ الفعل مطلقًا على أصل التقاء الساكنين، فيقولون: ردِّ زيدًا، ولم يردّ، بكسر الدال فيهما، فعلى هذه اللغة، إنما يقال: "ما لم تصفرّ" بالكسر أيضًا، وهذه اللغة لغة كعب، ونُمير.
والفرقة الثالثة: الفاتحون، وهم على قسمين: فُصَحاء، وغير فصحاء، فالفصحاء ينتقلون إلى الكسر إذا عارضهم ساكن من كلمة أخرى، فيقولون مُدّ