قال الراعي: كان لي صاحب في خواصّ الملك، فسألني يومًا عن الفعل

المضارع المجزوم المضعف، وعن الأمر منه؛ فلما شرعت في الجواب،

فَهِمتُ منه، كأنه إنما سألني مختبراً ما عندي، وأنه غير محتاج إلى جوابي،

فسكت عنه، فأعاد السؤال مراراً، فحلفت يمينًا مغلظة أن لا أخبره حتى ينزل

من موضع عالٍ، هو به، ويقعد على الأرض وسط المدرسة من غير حائل بينه،

وبين الأرض، ويخضع لي، كما يخضع الصبي لمؤدبه، وإلا فهؤلاء العلماء

فيهم كفاية عني في هذه المسألة وغيرها.

فرَدَّدَ الأمر في نفسه مراراً، وأطرق، ثم قال: لا بأس بالذلّ في طلب

العلم، فإنه عِزّ على الحقيقة، ثم فعل ما طُلب منه، والطَّلَبَةُ ينظرون.

فقلت: يا عبد الله لم تجبني هذه المسألة رَخِيصة، وسأحدّثك كيف

استوفيتها:

(اعلم): أني رَحَلْتُ يومًا لشيخنا وسيدنا أبي الحسن علي بن محمد

الأندلسيّ الْغَرْنَاطيّ رحمه اللهُ، وكان فقيرًا مُقِلاً، وكان أبوه، وأخوه يعيشان من نقل

الحطب على حمارين لهما، وكان أبي تاجراً في سوق القُمَاش.

فكنت أخدُم الشيخ خدمة العبيد الناصحين، فأتيت له صبيحة يوم بارد،

فقلت: هل من حاجة؛ قال: نعم، ليس عندنا ماء، ثم أخرج إليّ سَطْلاً من

نُحاس وقُلَّة يسعان أربعين رطلاً من الماء، والماء من بيته على مسافة بعيدة،

فأتيت بنحو اثنتي عشرة نَقْلَة حتى امتلأ الزِّير (?)، وجميع أواني الدار.

ثم سَلَّمتُ عليه، وأردت الخروج، وأنا في غاية التعب، قد ابْتَلَّتْ ثيابي،

وامتلأت بالطين، وأنا أرتعد من البرد، فلما رأى ما بي، قال: اقعد حتى

أعطيك مسألة جليلة، فقعدت معه.

فقال: ذكر صاحب "الدرّ (?) المكنون": أنه وصل رجل إلى إشبيلية يقصد

قراءة الحديث على أبي بكر الحافظ، فلما قرأ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لم تصفر

الشمس"، وفي الحلقة جماعة من الطلبة، فيهم أبو بكر الشلوبين، فقال الشيخ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015