[الأنفال: 72]، فلمّا فُتحت مكة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح"، ففي هذا

إشعارٌ بأن مبايعة الأعرابيّ المذكور كانت قبل الفتح.

(ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْني بَيْعَتِي، فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: أَقِلْنِي بَيْعَيي، فَأَبَى،

فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ) أي: من المدينة قصداً لإقالة أثر البيعة (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:

"إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ) تقدّم الكلام عليه قريباً (تَنْفِي) بفتح أوله؛ أي: تُخرج

(خَبَثَهَا) بمعجمة، وموحّدة، مفتوحتين (وَتَنْصَعُ) بفتح أوله، وسكون النون،

وبالمهملتين، من النُّصُوع، وهو الخلوص، والمعنى أنها إذا نفت الخبث تميّز

الطيب، واستقرّ فيها (طِيبَهَا) قال في "الفتح": ضبطه الأكثر بالنصب على

المفعوليّة، وفي رواية الكشميهني بالتحتانيّة أوله، ورفع "طيبها" على الفاعليّة،

و"طَيّبها" للجميع بالتشديد، وضبطه القزّاز بكسر أوله، والتخفيف، ثم

استشكله، فقال: لم أر للنصوع في الطيب ذكراً، وإنما الكلام يتضوعّ بالضاد

المعجمة، وزيادة الواو الثقيلة، قال: ويروى "وتنضخ" بمعجمتين. وأغرب

الزمخشريّ في "الفائق"، فضبطه بموحّدة، وضاد معجمة، وعين، وقال: هو

من أبضعه بضاعة: إذا دفعها إليه، يعني المدينة تُعطي طيبها من سكنها، وتعقّبه

الصغانيّ بأنه خالف جميع الرواة في ذلك، وقال ابن الأثير: المشهور بالنون،

والصاد المهملة. انتهى (?).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "وينصع طيبها"؛ أي: يصفو، ويخلُص،

يقال: طيبٌ ناصعٌ: إذا خلصت رائحته، وصَفَت مما ينقصها، وروينا "طيبها"

هنا - يعني "صحيح مسلم" - بفتح الطاء، وتشديد الياء، وكسرها، وقد رويناه

في "الموطّأ" هكذا، وبكسر الطاء، وتسكين الياء، وهو أليق بقوله: وينصع؛

لأنه يقال: نصع الطيب: إذا قويت رائحته. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي رأيته في كتب اللغة التي بين يديّ

أن "نصع" لازم، ففي نصب "طيبها" به نظر لا يخفى، والله تعالى أعلم

بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015