شرح الحديث:

(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) بن عمرو بن حَرَام - رضي الله عنهما -، ووقع عند البخاريّ في

"الأحكام" تصريحٍ محمد بن المنكدر بالسماع من جابر، ولفظه: "سمعت

جابراً" (أَنَّ أَعْرَابِيّا) قال الحافظ: لم أقف على اسمه، إلا أن الزمخشريّ ذى

في "ربيع الأبرار" أنه قيس بن أبي حازم، وهو مشكلٌ؛ لأنه تابعيّ كبير

مشهورٌ، صرّحوا بأنه هاجر، فوجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد مات، فإن كان محفوظاً،

فلعلّه آخر، وافق اسمه، واسم أبيه، وفي "الذيل" لأبي موسى في الصحابة:

قيس بن أبي حازم المنقريّ، فَيَحْتَمِل أن يكون هو هذا. انتهى (?).

(بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ) "الْوَعْك" - بفتح

الواو، وسكون المهملة، وقد تُفتح، بعدها كاف -: الْحُمّى، وقيل: ألمها،

وقيل: إرعادها، وقال الأصمعيّ: أصله شدّة الحرّ، فاهطلق على حَرّ الحمّى،

وشدّتها (فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقِلْني بَيْعَتِي) بفتح الهمزة، من الإقالة؛

أي: ارفع عنّي البيعة التي بايعتنيها، يقال: أقال الله عَثْرته: إذا رفعه من

سقوطه، ومنه الإقالة في البيع؛ لأنها رفع العَقْد، وقاله قَيْلاً، من باب باع لغةٌ،

قاله الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-.

وهذا من الأعرابيّ سوء ظن، حيث توهّم أن ما أصابه من الوعك إنما

هو بسبب ما فَعَل من البيعة، فتوهّم أنه - صلى الله عليه وسلم - لو أقاله لَذَهب ما لحِقه من

الوعك.

ثم إنّ ظاهره أنه سأل الإقالة من الإسلام، وبه جزم القاضي عياض،

وقال غيره: إنما استقاله من الهجرة، وإلا لكان قتله على الرّدّة.

(فَأَبَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (قال ابن التين: إنما امتنع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من إقالته؛ لأنه

لا يُعين على معصية؛ لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرُج من

المدينة إلا بإذنه، فخروجه عصيان، قال: وكانت الهجرة إلى المدينة فرضاً قبل

فتح مكة على كلّ من أسلم، ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاةٌ؛

لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015