حَكَى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصريّ، أنه خَرَج

رسولًا إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليلٌ، وكان يذكر له

الأماكن والجبال، قال: فلما وصلنا إلى أُحُد، إذا بقربه جبل صغير، فسالته

عنه، فقال: هذا يسمى ثورًا، قال: فعلمت صحة الرواية.

قال الحافظ: وكأن هذا كان مبدأ سؤاله عن ذلك، وذكر شيخنا أبو

بكر بن حسين المراغيّ نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة: أن خَلَف أهل

المدينة ينقلون عن سلفهم، أن خَلْف أُحُد من جهة الشمال جبلًا صغيرًا إلى

الحمرة بتدوير يسمى ثورًا، قال: وقد تحققته بالمشاهدة.

قال الحافظ: وأما قول ابن التين أن البخاريّ أبهم اسم الجبل عمدًا؛

لأنه غَلَطٌ، فهو غلط منه، بل إبهامه من بعض رواته، فقد أخرجه في "الجزية"،

فسمّاه، والله أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن من هذا البحث الطويل أن الصواب أن

ما وقع في "صحيح مسلم" هنا بلفظ: "المدينة حرم ما بين عَيْر وثور" رواية

صحيحة؛ لِما مرّ آنفًا من أن المحفقين أثبتوا وجود جبلين مسمّيين بهذين

الاسمين، فلا يضرّ عدم معرفة كثير ممن قصّر في البحث والتتبّع لهما؛ فإن من

حفظ حجة على من لَمْ يحفظ، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء

السبيل.

(فَمَنْ أَحْدَثَ)؛ أي: فعل (فِيهَا)؛ أي: في المدينة (حَدَثًا) بفتحتين؛ أي:

منكرًا، أو بدعةً، وهي ما خالف الكتاب والسنّة، وقال العينيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هو الأمر

الحادث الذي ليس بمعتاد، ولا معروف في السنّة. انتهى. (أَوْ آوَى)؛ أي:

ضمّ، وحمي، ومكّن، وأجار (مُحْدِثًا) بكسر الدال، وفتحها على الفاعل

والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيًا، وآواه، وأجاره من خصمه، وحال

بينه وبين أن يقتصّ منه، ومعنى الفتح: هو الأمر المبتدَع نفسه، ويكون معنى

إيوائه: الرضا به، فإنه إذا رضي ببدعته، وأقرّ عليها، ولم يُنكرها، فقد آواه،

قاله العينيّ، وقال القاري: بكسر على الرواية الصحيحة؛ أي: مبتدعًا، وقيل:

أي: جانيًا بأن يحول بينه وبين خصمه أن يقتصّ منه، ويُروى بفتح الدال؛ أي:

أمرأ مبتَدَعًا، وإيواؤه الرضا به، والصبر عليه. انتهى. (فَعَلَيْهِ)؛ أي: فعلى كلّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015