قال الحافظ: وقد وقع ذلك في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد،
والطبرانيّ.
وقال عياض: لا معنى لإنكار عير بالمدينة، فمانه معروف، وقد جاء ذِكره
في أشعارهم، وأنشد أبو عبيد البكريّ في ذلك عِدّة شواهد، منها قول
الأحوص المدنيّ الشاعر المشهور [من الطويل]:
فَقُلْتُ لِعَمْرٍ وتِلْكَ يَا عَمْرُو نَارُهُ ... تَشِبُّ قَفَا عَيْرٍ فَهَلْ أَنْتَ نَاظِرُ
وقال ابن السِّيد في "المثَلَّث": عَيْرٌ اسم جبل بقرب المدينة معروف،
وروى الزبير في أخبار المدينة، عن عيسى بن موسى، قال: قال سعيد بن
عمرو لبشر بن السائب: أتدري لِم سكنّا العقبة؟ قال: لا، قال: لأنا قتلنا منكم
قتيلًا في الجاهلية، فاخرجنا إليها، فقال: وددت أَبُو أنكم قتلتم منا آخر،
وسكنتم وراء عَيْرٍ، يعني جبلًا، كذا في نفس الخبر.
وقد سلك العلماء في إنكار مصعب الزبيريّ لعير وثور مسالك، منها ما
تقدّم، ومنها قول ابن قُدامة: يَحْتَمِل أن يكون المراد: مقدار ما بين عير وثور،
لا إنهما بعينهما في المدينة، أو سَمَّى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الجبلين اللذين بطرفي المدينة
عَيْرًا وثَوْرًا؛ ارتجالًا، وحكى ابن الأثير كلام أبي عبيد مختصرًا، ثم قال:
وقيل: إن عيرًا جبل بمكة، فيكون المراد: أحرم من المدينة مقدار ما بين عير
وثور بمكة على حذف المضاف، ووصف المصدر المحذوف.
وقال النوويّ: يَحْتَمِل أن يكون ثور كان اسم جبل هناك، إما أُحد، وإما
غيره.
وقال المحب الطبريّ في "الأحكام " بعد حكاية كلام أبي عبيد، ومن
تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصريّ أن حِذاء أُحُد عن
يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير، يقمال له: ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه
لطوائف من العرب؛ أي: العارفين بتلك الأرض، وما فيها من الجبال، فكل
أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور
في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به؛ لعدم شهرته، وعدم
بحثهم عنه، قال: وهذه فائدة جليلة. انتهى.
قال الحافظ: وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبيّ في "شرحه":