إجابة دعوته -صلى الله عليه وسلم- وقبولها. انتهى كلام القاضي رحمه الله (?).
قال النوويّ رحمه الله بعد كلام عياض هذا: والظاهر من هذا كله أن البركة
في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المدّ فيها لمن لا يكفيه في غيرها.
انتهى (?).
وقال في "الفتح": قوله: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَي مَا بِمَكَّةَ مِنَ
الْبَرَكَةِ"؛ أي: من بركة الدنيا، بقرينة قوله في الحديث الآخر: "اللهم بارك لنا
في صاعنا ومُدّنا"، وَيحْتَمِل أن يريد ما هو أعمّ من ذلك، لكن يُستثنى من ذلك
ما خرج بدليل؛ كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة، واستدل به عن تفضيل
المدينة على مكة، وهو ظاهر من هذه الجهة، لكن لا يلزم من حصول أفضلية
المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق.
وأما مَن ناقض ذلك بأنه يلزم أن يكون الشام، واليمن أفضل من مكة؛
لقوله في الحديث الآخر: "اللهم بارك لنا في شامنا"، وأعادها ثلاثًا، فقد
تُعُقّب بأن التأكيد لا يستلزم التكثير المصرَّح به في حديث الباب، وقال ابن
حزم: لا حجة في حديث الباب لهم؛ لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل
في أمور الآخرة.
وردّه عياض بأن البركة أعمّ من أن تكون في أمور الدين أو الدنيا؛ لأنها
بمعنى النماء والزيادة، فأما في الأمور الدينية فلِما يتعلق بها من حقّ الله تعالى
من الزكاة، والكفارات، ولا سيما في وقوع البركة في الصاع والمدّ.
وقال النوويّ: الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل، بحيث يكفي
المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها.
وقال القرطبيّ: إذا وجدت البركة فيها في وقت، حصلت إجابة الدعوة،
ولا يستلزم دوامها في كل حين، ولكل شخص. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ رحمه الله فيه نظرٌ لا يخفى؛