شرح الحديث:

عن عَاصِمٍ الأحول أنه (قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه-، وفي الرواية

التالية: "سالت أنسًا" (أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ؟ قَالَ) أنس (نَعَمْ)؛ أي:

نعم حرّمها (مَا) موصولة؛ أي: المكان الذي (بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا) هكذا وقع في

حديث أنس -رضي الله عنه- مبهمًا، وسيأتي في حديث عليّ -رضي الله عنه- الآتي بعد ثلاثة

أحاديث: "المدينة حرم ما بين عَيْرٍ إلى ثور"، وسيأتي تمام البحث فيه هناك- إن

شاء الله تعالى- ("فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا") قال القرطبيّ رحمه الله: يعني من أحدث

ما يُخالف الشرع من بدعة، أو معصية، أو ظلم، كما قال: "من أحدث في

أمرنا ما ليس منه، فهو رَدٌ") متّفقٌ عليه (?).

وقال القاضي عياض رحمه الله معناه من أتى فيها إِثْمًا، أو اوى من أتاه،

وضمّه إليه وحماه، وهو نحو قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ

مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] ويقال: أَوَى، وآوَى، بالقصر والمدّ في الفعل

اللازم والمتعدي جميعًا، لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح، والمدّ في

المتعدي أشهر وأفصح (?).

قال النوويّ رحمه الله: وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين، قال الله

تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63]، وقال في المتعدي:

{وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50] (?).

قال القاضي: ولم يُرْوَ هذا الحرف إلا "مُحْدِثًا" بكسر الدال، ثم قال:

وقال الإمام المازريّ: رُوي بوجهين: كسرِ الدال، وفتحها، قال: فمن فتح

أراد الإحداث نفسه، ومن كسر أراد فاعل الحدث. انتهى (?).

(قَالَ) عاصم (ثُمَّ قَالَ) أنس (لِى: هَذهِ شَدِيدَةٌ) الإشارة إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من

أحدث ... إلخ"، وهذا إعظام من أنس -رضي الله عنه- لها؛ لاقترانها بالوعيد الشديد

("مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا) أي: فعل فيها شيئًا مُحدثًا، فالحدث هو الأمر الحادث

المنكر الذي ليس بمعروف في السنّة، فهو يعمّ المعاصي، والْبِدَع، والْخُرَافات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015