قال الجامع عفا الله عنه: الحقّ ما تقدّم عن النوويّ رحمه الله أن الصحيح
المختار أن معناه أن أُحُدًا يحبنا حقيقةً، جعل الله تعالى فيه تمييزًا يحب به؛
لما سبق من الأدلة الكثيرة الواضحة في حمله على الحقيقة، فلا تلتفت إلى هذه
التأويلات الباردة، والله -صلى الله عليه وسلم- يتولّى هداك.
وقال الزرقانيّ رحمه الله: قوله: "يحبنا" حقيقةً كما رجحه جماعة، وقد
خاطبه -صلى الله عليه وسلم- مخاطبة من يعقل، فقال- لما اضطرب-: "اسكن"، فوضع الله
الحب فيه، كما وضع التسبيح في الجبال مع داود، والخشية في الحجارة التي
قال فيها: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74]، وكما حَنّ الجذع
لفراقه حتى سمع الناس حنينه، فلا يُنْكَر وصف الجماد بحب الأنبياء، وقد
سَلّم عليه الحجر، والشجر، وسبّحت الحصيات في يده، وكلمته الذراع،
وأَمَّنت حوائط البيت، وأُسْكُفّة الباب على دعائه -صلى الله عليه وسلم- إشارةً إلى مزيد حب الله
إياه، حتى أسكن حبه في الجماد، وغرس محبته في الحجر، مع فضل يبسه،
وقوة صلابته.
وقوله: "نحبه " حقيقةً أيضًا؛ لأن جزاء مَن يُحِبّ أن يُحَبّ، ولأنه من
جبال الجنة، كما رواه أحمد عن أبي عبس بن جبر، كما تقدم، وللبزار،
والطبرانيّ: "أُحُدٌ هذا جبل يحبنا ونحبه، على باب من أبواب الجنة"؛ أي: من
داخلها، فلا ينافي رواية الطبرانيّ أيضًا: "أُحُدٌ ركن من أركان الجنة"؛ لأنه
ركن داخل الباب، بدليل رواية ابن سلام في تفسيره أنه ركن باب الجنة.
وقيل: هو على حذف المضاف؛ أي: يحبنا أهله، وهُم الأنصار؛ لأنهم
جيرانه، وكانوا يحبونه -صلى الله عليه وسلم-، ويحبهم.
وقيل: لأنه كان يبشره بلسان الحال إذا قدم من سفر بقربه من أهله
ولقائهم، وذلك فِعل المحب بمن يحب، فكان يفرح إذا طلع له استبشارًا
بالأوبة من السفر، والقرب من الأهل.
وضُعِّف بما في رواية الطبرانيّ عن أنس: "فإذا جئتموه، فكلوا من
شجره، ولو من عضاهه " بكسر المهملة، وضاد معجمة: كلُّ شجرة عظيمة ذات
شوك، فحَثّ على عدم إهمال الأكل، حتى أَبُو فرض أنه لا يوجد إلا ما لا
يؤكل، كالعضاه يمضغ منه؛ تبركًا، ولو بلا ابتلاع.