الحجّ، ووقع في رواية أبي حميد الساعدي الآتية [3372] (1392) أنه قال
لهم ذلك لَمّا رجع من تبوك، وأشرف على المدينة، قال: "هذه طابة، وهذا
أُحُد، وهو جبل يحبنا ونحبه".
وُيجمع بينها بأنه تكرر منه -صلى الله عليه وسلم- ذلك القول، أفاده في "الفتح " (?).
قال: وللعلماء في معنى ذلك أقوال:
[أحدها]: أنه على حذف مضاف، والتقدير: أهلُ أُحُد، والمراد بهم
الأنصار؛ لأنهم جيرانه.
[ثانيها]: أنه قال ذلك للمسرة حيث يبشّره بلسان الحال إذا قدم من سفر
بقربه من أهله ولُقْياهم، وذلك فعل من يُحِبّ بمن يُحب.
أثالثها، : أن الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره؛ لكون أُحُد من
جبال الجنة، كما ثبتٌ في حديث أبي عبس بن جبر مرفوعًا: "جبل أُحد يحبنا
ونحبه، وهو من جبال الجنة"، أخرجه أحمد، ولا مانع في جانب البلد من
إمكان المحبة منه، كما جاز التسبيح منها؛ أي: الجبال، وقد خاطبه -صلى الله عليه وسلم-
مخاطبة من يعقل فقال لَمّا اضطَرَب: "اسكن أُحد ... " الحديث.
وقال السهيليّ: كان -صلى الله عليه وسلم- يحب الفال الحسن، والاسم الحسن، ولا اسم
أحسن من اسم مشتق من الأحدية، قال: ومع كونه مشتقًّا من الأحدية،
فحركات حروفه الرفع، وذلك يُشعر بارتفاع دِين الأحد وعلُوّه، فتعلق الحب
من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- به لفظًا ومعنى، فخُصّ من بين الجبال بذلك، والله أعلم.
وقال الحافظ أيضًا في "باب من غزا بصبي للخدمة": قيل: هو على
الحقيقة، ولا مانع من وقوع مثل ذلك بأن يخلق الله المحبة في بحض
الجمادات، وقيل: هو على المجاز، والمراد أهل أُحد على حدّ قوله تعالى:
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وقال الشاعر [من الوافر]:
وَمُا حُبُّ الدّيَارِ شَغَفْنَ قَلْبِي ... وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدّيَارَا
انتهى (?).