وقال في "العمدة": ذكر في "الطبقات" أنهم علقوا الصحيفة في جوف
الكعبة، وقال بعضهم: بل كانت عند أمّ الجلاس بنت مخربة الحنظلية، خالة
أبي جهل، وحَصَرُوا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلةَ هلال المحرم سنة
سبع، من حين النبوة، وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في
شعبه، وخرج أبو لهب إلى قريش، فظاهرهم على بني هاشم، وبني المطلب،
وقطعوا عنهم اْلِميرة والمارّة، فكانوا لا يخرجون إلَّا من موسم إلى موسم،
حتى بلغهم الْجَهْد، فأقاموا فيه ثلاث سنين، ثم أطلع الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- على أمر
صحيفتهم، وأن الأَرَضَة أكلت ما كان فيها من جَوْر وظلم، وبقي ما كان فيها
من ذكر الله عز وجل، وفي لفظ: ختموا على الكتاب ثلاثة خواتيم، فذكر ذلك
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب، فقال أبو طالب لكفار قريش: إن ابن أخي أخبرني، ولم
يَكْذِبني قط أن الله تعالى قد سَلَّطَ على صحيفتكم الأَرَضَة، فلَحَسَتْ ما كان فيها
من جَوْر وظلم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله تعالى، فإن كان ابنُ أخي صادقًا
نزعتم عن سُوء رأيكم، وإن كان كاذبًا دفعته إليكم، فقتلتموه، أو استحييتموه،
قالوا: قد أنصفتنا، فإذا هي كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسُقِطَ في أيديهم،
ونُكِسُوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: علام نُحْبَس، ونُحْصَر، وقد بان
الأمر، فتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم، منهم: مُطْعِم بن
عديّ، وعديّ بن قيس، وزَمْعة بن الأسود، وأبو الْبُحْتُريّ بن هاشم، وزُهير بن
أبي أمية، ولبسوا السلاح، ثم خرجوا إلى بني هاشم، وبني المطلب، فأمروهم
بالخروج إلى مساكنهم، ففعلوا، فلما رأت قريش ذلك سُقِطَ في أيديهم،
وعَرَفُوا أن لن يُسْلِموهم، وكان خروجهم من الشِّعْب في السنة العاشرة.
انتهى (?).
وقد لخّص هذه القصة مع بيان الهجرة إلى الحبشة الحافظ العراقيّ رحمه الله
في "ألفية السيرة" حيث قال:
لَمَّا فَشَا الإِسْلَامُ وَاشْتَدَّ عَلَى ... مَنْ أَسْلَمَ الْبَلَاءُ هَاجَرُوا إِلَى