والمطلب كتابًا أن لا يعاملوهم، ولا يناكحوهم، حتى يُسْلِموا إليهم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففعلوا ذلك، وعَلَّقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها
منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصَيّ،
فَشُلّت أصابعه، ويقال: إن الذي كتبها النضر بن الحارث، وقيل: طلحة بن
أبي طلحة العبدريّ.
قال ابن إسحاق: فانحازت بنو هاشم، وبنو المطلب إلى أبي طالب،
فكانوا معه كلهم، إلا أبا لهب، فكان مع قريش، وقيل: كان ابتداء حصرهم
في المحرم سنة سبع من المبعث، قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين،
أو ثلاثًا، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين، حتى جَهِدوا، ولم
يكن يأتيهم شيء من الأقوات، الا خُفْيةً، حتى كانوا يؤذون من اطَّلَعوا على أنه
أرسل إلى بعض أقاربه شيئًا من الصِّلات، إلى أن قام في نقض الصحيفة نفرٌ،
من أشدّهم في ذلك صنيعًا هشام بن عمرو بن الحارث العامريّ، وكانت أم أبيه
تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جدّه، فكان يصلهم، وهم في
الشِّعْب، ثم مشى إلى زُهير بن أبي أمية، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب،
فكلمه في ذلك، فوأفقه، ومشيا جميعًا إلى الْمُطْعِم بن عديّ، وإلى زَمْعة بن
الأسود، فاجتمعوا على ذلك، فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك، وأنكروه،
وتواطئوا عليه، فقال أبو جهل: هذا أمر قُضِيَ بليل، وفي آخر الأمر أخرجوا
الصحيفة، فمزّقوها، وأبطلوا حكمها.
وذكر ابن هشام أنهم وجدوا الأَرَضَة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله
تعالى، وأما ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وعروة، فذكروا عكس ذلك أن الأَرَضة
لم تدع اسما لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة، فالله أعلم.
وذكر الواقديّ أن خروجهم من الشِّعب كان في سنة عشر من المبعث،
وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، ومات أبو طالب بعد أن خرجوا بقليل، قال
ابن إسحاق: ومات هو وخديجة في عام واحد، فنالت قريش من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ما لم تكن تَنَلْهُ في حياة أبي طالب، ذكره في "الفتح" (?).