وهو تحالفهم على مقاطعة بني هاشم، وبني المطلب حتى يُسلموا لهم
النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكان ذلك التحالف في خيف بني كنانة، وكتبوا بينهم الصحيفة
المشهورة، وكتبوا فيها أنواعًا من الباطل، وقطيعة الرحم والكفر، فأرسل الله
تعالى عليها الأَرَضَة، فأكلت كل ما فيها من كفر، وقطيعة رحم وباطل، وتركت
ما فيها من ذكر الله تعالى، فأخبر جبريل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فأخبر به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
عمه أبا طالب، فجاء إليهم أبو طالب، فأخبرهم عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فوجدوه
كما أخبر، والقصة مشهورة، قال بعض العلماء: وكان نزوله -صلى الله عليه وسلم- هنا شكرًا لله
تعالى على الظهور بعد الاختفاء، وعلى إظهار دين الله تعالى. انتهى ببعض
تصرّف (?)، وستأتي القصّة مطوّلة قريبًا -إن شاء الله تعالى-.
كما أشار إلى كيفيّته بقوله: (وَذَلِكَ) أي: كيفيّة تحالفهم على الكفر (إِنَّ
قُرَيْشًا) بفتح الهمزة؛ لوقوعها في موضع الخبر، ووقع في بعض النسخ مضبوطًا
بالقلم بكسرها، والظاهر الأول، فتأمل (وَبَنِي كِنَانَةَ) قال في "العمدة": عَطَفَ
كنانة على قريش مع أن قريشًا هم أولاد النضر بن كنانة، فيكون من باب
التعميم بعد التخصيص، وَيحْتَمِل أن يراد بكنانة غير قريش، فقريش قسيم له،
لا قسم منه، قيل: لم يُعْقِب النضر غير مالك، ولا مالك غير فِهْر، فقريش ولد
النضر بن كنانة، وأما كنانة فأعقب من غير النضر، فلهذا وقعت المغايرة.
انتهى.
وقال في "الفتح": قوله: "أن قريشًا وكنانة" فيه إشعار بأن في كنانة من
ليس قرشيًّا؛ إذ العطف يقتضي المغايرة، فيترجح القول بأن قريشًا من ولد
فهر بن مالك، على القول بأنهم ولد كنانة، نعم لم يُعْقِب النضرُ غيرَ مالك،
ولا مالكٌ غيرَ فِهْر، فقريش ولد النضر بن كنانة، وأما كنانة فأعقب من غير
النضر، فلهذا وقعت المغايرة. انتهى (?).
(تَحَالَفَتْ) كان القياس فيه تحالفوا، ولكن أفرده بصيغة المفرد المؤنّث
باعتبار الجماعة (عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ) يعني لا يقع
بينهم عقد نكاح، بأن لا يتزوج قرشي وكناني امرأة من بني هاشم وبني