بعده، وفي "صحيح البخاريّ" من رواية خالد بن الحارث، قال: سئل عبيد الله،
عن المحصَّب، فحدّثنا عن نافع، قال: نزل بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعمر وابن
عمر، وعن نافع، أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي بها -يعني المحصب- الظهر
والعصر، أحسبه قال: والمغرب، قال خالد: لا أشك في العشاء، ويَهْجَعُ
هَجْعَةً، ويَذْكُر ذلك عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قالوا: ولو تَرَكَ النزول به فلا شيء عليه،
ولا يؤثِّر في نسكه؛ لأنه سنة مستقلة، ليس من سنن الحجّ، قال: وما ذكرته
من استحباب النزول به، هو قول الأئمة الأربعة، وتقدم من "صحيح مسلم" عن
أبي بكر وعمر وابنه، أنهم كانوا يفعلون ذلك، وإن كانت تلك الرواية مرسلةً؛
لأنها من رواية سالم، فقد روى مسلم أيضًا من رواية نافع، عن ابن عمر، أن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر، كانوا ينزلون بالأبطح، ورواه الترمذيّ، وابن ماجه،
وفيه زيادة ذكر عثمان، وفي "مصنف ابن أبي شيبة": أن عمر قال: يا آل
خزيمة حَصِّبوا ليلة النفر، وعن الأسود أنه نزل بالأبطح، فسمع دعاءً، فنظر
فإذا هو ابن عمر يرتحل، وعن سعيد بن جبير أنه لما نَفَر أتى الأبطح حين أقبل
من منى.
وعن إبراهيم النخعيّ: إذا انتهى إلى الأبطح، فليضع رحله، ثم لِيَزُر
البيت، وليضطجع فيه هُنَيهةً، ثم لينفر، وعن طاوس أنه كان يُحَصِّب في شِعْب
الخَور.
وأنكر التحصيب جماعة من السلف، فروى الشيخان وغيرهما عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- قال: ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي
"مصنف ابن أبي شيبة" أنه كان لا ينزل الأبطح، وقال: إنما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛
لأنه انتظر عائشة، وعن طاوس، وعطاء، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وسعيد بن
جبير، أنهم كانوا لا يُحَصِّبون، وعن مجاهد أيضًا أنه أنكره.
وقال ابن المنذر: كانت عائشة لا تُحَصِّب هي، ولا أسماء، وكان
سعيد بن جبير يفعل ذلك، ثم تركه.
وقال النوويّ: كان أبو بكر وعمر وابن عمر، والخلفاء -رضي الله عنهم- يفعلونه،
وكانت عائشة، وابن عباس لا يقولان به، ويقولان: هو منزل اتفاقيّ، لا
مقصودٌ، فحصل خلاف بين الصحابة -رضي الله عنهم-، ومذهب مالك، والشافعيّ،