الأعمال، كبقيّة الأعمال، بل يمكن اجتماع الذكر مع سائر الأعمال، فمن عمل عملًا صالحًا، وكان أكثر لله ذكرًا فيه من غيره، فهو أفضل ممن عمل مثل ذلك العمل من غير أن يذكر الله معه.
وقد ورد في نصوص متعدّدة أن أفضل المصلّين، والمتصدّقين، والمجاهدين، والحاجّ، وغيرهم من أهل العبادات أكثرهم لله ذكرًا.
وقد أخرجه الإمام أحمد متَّصلًا، وأخرجه ابن المبارك وغيره مرسلًا.
فهؤلاء أفضل الناس عند الله، ثم يليهم الذين يذكرون الله كثيرًا، وليس لهم نوافل من غير الذكر، كالجهاد وغيره، بل يقتصرون مع الذكر على فرائض الأعيان، فهؤلاء هم الذاكرون لله كثيرًا المفضّلون على المجاهدين، ويليهم قوم يقومون بالفرائض، وبالنوافل كالجهاد وغيره من غير ذكر كثير لهم.
وإنما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله عما يَعدِل الجهاد: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم، ولا تفطر، وتقوم، ولا تفتر؟ "، قال: لا، قال: "فذلك الذي يعدل الجهاد"؛ لأنه سأله عن عمل يتشبّث به عند خروج المجاهد يقاوم فضل الجهاد.
وأما الذاكرون الله كثيرًا، فإنما فُضِّلوا على المجاهدين بغير ذكر؛ لأن لهم عملًا مستمرًّا دائمًا قبل جهاد المجاهدين ومعه وبعده، فبذلك فُضّلوا على المجاهدين بغير ذكر كثير، وبهذا تجتمع النصوص الواردة في ذلك.
وأما حديث: "خيرُ الإسلام إطعام الطعام، وإفشاء السلام"، فليس المراد به تفضيل هذين الخصلتين على سائر خصال الإسلام من الشهادتين والصلاة وغيرها، بل المراد أن أفضل أهل الإسلام القائمين بخصاله المفروضة من الشهادتين، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحجّ، من قام بعد ذلك بإطعام الطعام، وإفشاء السلام.
[فإن قيل]: فيكون التطوّع بذلك أفضل من التطوّع بالجهاد والحجّ.
[قيل]: فيه تفصيلٌ، فإن كان إطعام الطعام فرض عين، كنفقة من تلزم نفقته من الأقارب، فلا ريب أنه أفضل من التطوّع بالنفقة في الجهاد، والحجّ، فإن كان تطوّعًا، فإن كان صلة رحم، فهو أفضل من الجهاد، والحجّ، نصّ