وقد أختُلِف في وجوب الوقوف فيه، فذهب أبو عبيد القاسم بن سلَّام:
إلى وجوبه، والجمهور على أنه مُستحب. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله أبو عبيد -رَحِمَهُ اللهُ- من الوجوب هو الأظهر؛
لظاهر الآية، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
(فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ) وفي رواية أبي داود وابن ماجه: "فحمد الله".
[تنبيه]: لا يتعيّن شيء من الدعاء في هذا الموقف، ولا في موقف عرفة،
ولا غيرها من المشاعر؛ إذ لم يصحّ في ذلك شيء، إلا آية {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201]، وأما ما يُذكر في كتب المناسك من
الدعوات الكثيرة، فلا يثبت شيء منها، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
(وَكَبَّرَهُ) أي: قال: الله أكبر (وَهَلَّلَهُ) أي: قال: لا إله إلا الله (وَوَحَّدَهُ)
أي: قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلخ؛ عملاً بقوله -عَزَّ وَجَلَّ-:
{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] (فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفأ) فيه أن الوقوف عند المشعر الحرام من مناسك الحجّ،
وهذا لا خلاف فيه.
قال الشاه وليّ الله الدهلويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما شُرع الوقوف بالمشعر الحرام؛
لأنه كان أهل الجاهليّة يتفاخرون، ويتراء"ون، فأبدل من ذلك إكثار ذكر الله
تعالى؛ ليكون كابحاً عن عادتهم، ويكون التنويه بالتوحيد في ذلك الموطن
كالمنافسة، كأنه قيل: هل يكون ذكركم الله أكثر، أو ذكر أهل الجاهليّة
مفاخرهم أكثر؟ انتهى (?).
(حَتَّى أَسْفَرَ) أي: أضاء الفجر إضاءة تامّةً، فالضمير في "أسفر" يعود إلى
الفجر المذكور أوّلاً، وقوله: (جِدّاً) بكسر الجيم؛ أي: إسفاراً بليغاً.
قال المحبّ الطبريّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا كمال السنّة في المبيت بالمزدلفة، وعليه
اعتمد من أوجب ذلك، وقال أبو حنيفة: إذا لم يكن بها بعد طلوع الفجر لزمه
دم إلا لعذر من ضعف أو غيره، فإن كان بها أجزأه، وإن لم يكن قبله، وهو
ظاهر ما نقله البغويّ عن مالك، وأحمد، وفي وجوب المبيت عندنا - يعني