أظهر الاحتمالين في الآية، فإن قوله تعالى: {عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} يقتضي

أن يكون الوقوف في غيره، وتكون المزدلفة كلّها عنده لما كانت كالحريم له،

ولو أريد بالمشعر الحرام المزدلفة لقال: في المشعر الحرام، ويجوز أن يكون

حقيقةَ في المزدلفة كلها، وأُطلق على قُزَح وحده تجوّزاً؛ لاشتمالها عليه،

وكلاهما وجهان من وجوه المجاز، أعني إطلاق اسم الكلّ على البعض،

والعكس، وهذا القائل يقول: حروف المعاني يقوم بعضها مقام بعض، فقامت

"عند" مقام "في"، ومنه {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ}؛ أي: عليهم، وفي الحديث والأثر ما

يُصدّق كلّ واحد من الاحتمالين.

وقُزَح موضع من المزدلفة، وهو موقف قريش في الجاهليّة؛ إذ كانت لا

تقف بعرفة.

وقال الجوهريّ: قُزَح اسم جبل بالمزدلفة، قال الطبريّ: وقد بُنِي عليه

بناءٌ، فمن تمكّن من الرقيّ عليه رَقِيَ، وإلا وقف عنده مستقبل القبلة، فيدعو،

وُيكبّر، ويُهلّل، ويوحّد الله، ويُكثر من التلبية إلى الإسفار، ولا ينبغي أن يفعل

ما تطابق عليه الناس اليوم من النزول بعد الوقوف من درج في وسطه ضيّقة

يزدحم الناس على ذلك حتى يكاد يُهلك بعضهم بعضاً، وهو بدعة شنيعة، بل

يكون نزوله من حيثُ رُقِيُّه من الدرج الظاهرة الواسعة.

وقد ذكر ابن الصلاح في "منسكه" أن قُزح جبل صغير آخر المزدلفة، ثم

قال بعد ذلك: وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذي ذكرناه الوقوفَ

على بناء مستحدث في وسط المزدلفة، ولا تتأدّى به هذه السنّة. انتهى كلام

ابن الصلاح.

قال الطبريّ: والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل كما تقدّم ذكره، ولم

أر ما ذكره لغيره. انتهى كلام الطبريّ (?).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام" فيه: أن

الوقوف بالمشعر الحرام إلى الإسفار من المناسك، وقد ذكره الله تعالى في

قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015