وقيل: بكسر الميم: موضع خاصّ من المزدلفة، سُمّي بالمشعر؛ لأنه مَعْلمٌ
للعبادة، وسُمِّي الحرام؛ لأنه من الحرم، أو لحرمته.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "المشعر": بفتح الميم، هذا هو الصحيح، وبه جاء
القرآن، وتظاهرت به روايات الحديث، ويقال أيضاً: بكسر الميم، والمراد به
هنا قُزَحُ، بضم القاف، وفتح الزاي، وبحاء مهملة، وهو جبل معروف في
المزدلفة، وهذا الحديث حجة الفقهاء في أن المشعر الحرام هو قُزَحُ، وقال
جماهير المفسرين، وأهل السير، والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة.
انتهى (?).
وقال المحبّ الطبريّ -رَحِمَهُ اللهُ-: المشعر الحرام: هو الجبل الصغير المعروف
بالمزدلفة، يقال له: قُزَح، والأفصح فتح الميم، وأكثر كلام العرب بكسرها،
ولا نعرف الكسر في القراءة إلا شاذّاً. انتهى.
وقد روى الشيخان من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وقف بالمزدلفة،
وقال: "وقفت ههنا، ومزدلفة كلها موقفٌ"، وروى أبو داود، والترمذيّ،
وصححه من حديث عليّ - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا أصبح بجمع أتى قُزَح، فوقف
عليه، وقال: هذا قُزَح، وهو الموقف، "وجمغ كلها موقفٌ"، وروى سعيد بن
منصور من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه رأى ناساً يزدحمون على الجبل الذي يقف
عليه الإمام، فقال: يا أيها الناس لا تشُقّوا على أنفسكم، ألا إن ما ههنا مشعرٌ
كلّه، وعنه قال: المشعر الحرام المزدلفة كلها، أخرجه أبو ذرّ، ذكر هذا
الأحاديث الطبريّ، ثم قال: حديث ابن عمر هذا مصرّح بأن المشعر الحرام
هو المزدلفة، وكذلك تضمّنه كثير من كتب التفسير في قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]،
وحديث عليّ وجابر - رضي الله عنهما - يدلّان على أن قُزَح هو المشعر الحرام، وهو
المعروف في كتب الفقه، فتعيّن أن يكون في أحدهما حقيقةً، وفي الآخر
مجازاً؛ دفعاً للاشتراك؛ إذ المجاز خير منه، فترجّح احتماله عند التعارض،
فيجوز أن يكون حقيقةً في قُزَح، فيكوز إطلاقه على الكلّ؛ لتضمّنه إياه، وهو