المزدلفة، وأن من صلاها قبلها يلزمه الإعادة هو الأرجح؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال:
"الصلاة أمامك"، فلا صلاة قبل المزدلفة، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي: القصواء، كما في رواية ابن الجارود
(حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ) أي: وسار إلى أن أتى أرض عرفات، أو اللام للعهد،
والمراد موقفه الخاصّ به -صلى الله عليه وسلم- (فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ) بالجر على البدليّة
(إِلَى الصَّخَرَاتِ) بفتحتين، قال الطيبيّ: أي: منتهيًا إليها، وتعقّبه الأبّيّ، فقال:
إن كان الوقوف على الصخرات صحّ هذا التقدير، والأظهر أنه تجوّز بالبطن
عن الوجه، والتقدير: وجعل وجه ناقته، وهذا إن كانت الصخرات تحاذي في
قبلته؛ لأنه إنما وقف مستقبل القبلة.
وقال القرطبيّ: يعني أنه علا على الصخرات ناحية منها حتى كانت
الصخرات تحاذي بطن ناقته.
قال الوليّ العراقيّ: لا حاجة إلى هذا؛ لأن من وقف بحذاء صخرة على
ناقة صار بطنها بحذائها؛ أي: إلى جانبها، وليس يشترط في محاذاة بطن الناقة
لها أن يكون عاليًا عليها. انتهى.
وقال الطبريّ: ظاهر قوله: "جعل بطن ناقته إلى الصخرات" يدلّ على أنه
كان واقفًا على الصخرات، حتى يكون بطن الناقة إليها، ويؤيّده ما رواه ابن
إسحاق في "سيرته" أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "هذا الموقف" للجبل الذي كان واقفًا عليه.
انتهى.
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: في هذا الفصل مسائلُ، وآدابٌ للوقوف، منها: أنه
إذا فرغ من الصلاتين عَجَّل الذهاب إلى الموقف، ومنها أن الوقوف راكبًا
أفضل، وفيه خلاف بين العلماء، وفي مذهبنا ثلاثة أقوال: أصحها أن الوقوف
راكبًا أفضل، والثاني: غير الراكب أفضل، والثالث: هما سواء.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى استحباب الركوب في الوقوف؛ اتّباعًا
للسنّة، فتفطّن، والله تعالى أعلم.
قال: ومنها: أنه يستحب أن يقف عند الصخرات المذكورات، وهي
صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض
عرفات، فهذا هو الموقف المستحبّ، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء