الثاني لا يجوز لغير الآفاقيّ، ولا خلاف أنه سنّة، حتى لو صلّى كلّ صلاة
وحدها في وقتها جاز. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح الذي يدلّ عليه ظاهر هذا الحديث
الصحيح أن الجمع بعلّة النسك؛ لجمع كل من حضر الموقف من الآفاقيّ،
وأهل مكة، وغيرهم معه -صلى الله عليه وسلم-، فدلّ على أنه للنسك، لا للسفر، ثم إن قوله:
"حتى لو صلى كل صلاة ... إلخ" أين الدليل على جواز هذا؟ بل الظاهر أنه
لا يصلي إلا جمعًا وقصرًا كما فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكلّ من شهد حجة الوداع
معه -صلى الله عليه وسلم-، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
(وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أي: من السنن والنوافل، وذلك للاستعجال
بالوقوف.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا" أي: لم يُدْخِل بينهما
صلاة أخرى، لا نفلًا ولا غيره، وبهذا قال مالك وغيره، وقال ابن حبيب:
يجوز أن يتنفل بينهما، وليس بالبيِّن، ولا خلاف في جواز الجمع بين الصلاتين
بعرفة ومزدلفة، وإنما اختلفوا فيمن فاته الجمع مع الإمام بعرفة، فالجمهور على
أنه يجمع بينهما اتباعًا لفعله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الكوفيون: يصليهما مَنْ فاتتاه لوقتهما،
ولا يجوز الجمع إلا مع الإمام، ولم يختلف: أن من صلاهما في وقتهما أن
صلاته جائزة إذا لم يكن إمامًا.
واختلفوا فيمن صلَّى قبل أن يأتي المزدلفة، فذهب الكوفيون: إلى أنهما
لا تجزيانه، ويعيدهما، وإن صلاهما بعد مغيب الشفق، وقاله ابن حبيب، وقال
مالك: لا يصليهما قبل المزدلفة إلا مِنْ عُذْرٍ به، أو بدابته، ولا يجمع هذا
بينهما حتى يغيب الشفق. وقال مالك: يُصلِّيهما لوقتهما. وقيل: تجزئه
صلاتهما في وقتهما قبل المزدلفة؛ كان إمام الحاجّ أو غيره، وهو مروي عن
جماعة من الصحابة والتابعين، وقاله الشافعى، والأوزاعى، وأبو يوسف،
وأشهب من أصحابنا. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قول الكوفيين في عدم إجزاء الصلاة قبل