في الخطبة الثانية، وهو أصحّ، ويترجّح بأمر معقول، وهو أن المؤذّن قد أُمر

بالإنصات للخطبة، فكيف يؤذّن، ولا يستمع الخطبة.

قال المحبّ الطبريّ: وذكر الملا في "سيرته" أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما فرغ من

خطبته أذّن بلال، وسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغ بلال من الأذان تكلم

بكلمات، ثم أناخ راحلته، وأقام بلال الصلاة، وهذا أولى مما ذكره الشافعيّ؛

إذ لا يفوت به سماع الخطبة من المؤذّن. انتهى كلام الشوكاني.

وقال الطبريّ بعد ذكر رواية الملا من سيرته ما لفظه: وهذا وإن كان

قريبًا مما ذهب إليه الشافعيّ إلا أنه ليس فيه أن الخطبة تكون مع الأذان، ثم إن

تلك الكلمات لم يقل: إنها كانت خطبة. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بالخطبة الثانية مما لا دليل عليه، بل

الحديث الصحيح حديث جابر -رضي الله عنه- هذا ظاهر في أن الخطبة واحدة، وأما ما

احتجّ به الشافعيّ ففيه إبراهيم بن أبي يحيى، ضعيف، بل كذّبه بعضهم، وأما

ما ذكر في سيرة الملا، فلم يُذكر سنده حتى يُنظر فيه.

والحاصل أن خطبة عرفة خطبة واحدة؟ لهذا الحديث الصحيح، فتبصّر،

والله تعالى أعلم.

وقوله: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كرّره للتأكيد عليهم (ثُمَّ أَذَّنَ) ولفظ ابن

ماجه، والدارميّ، والبيهقيّ، وابن الجارود: "ثم أذّن بلال"، زاد الدارميّ:

"بنداء واحد" (ثمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ) أي: جمع بين

الظهر والعصر في وقت الظهر، وهذا الجمع كجمع المزدلفة جمع نسك عند

الحنفيّة، وبعض أصحاب الشافعيّ، وجمع سفر عند الشافعيّ، وأكثر أصحابه،

فمن كان حاضرًا، أو مسافرًا دون مرحلتين، كأهل مكة لم يجز له الجمع عند

الشافعيّ كما لا يجوز له القصر.

والحديث يدلّ على أن الجمع بين الظهر والعصر بعرفة بأذان واحد

وإقامتين، وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

[الأول]: أداؤهما بأذان واحد وإقامتين؛ لحديث جابر -رضي الله عنه- هذا، وإليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015