الحج من عامه، وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيبًا في الإفراد الذي هو أفضل،
لا أنه يعتقد بطلانها، أو تحريمها.
وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: ظاهر حديث جابر، وعمران، وأبي
موسى - رضي الله عنهم - أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج إلى العمرة، قال:
ولهذا كان عمر - رضي الله عنه - يضرب الناس عليها، ولا يضربهم على مجرد التمتع في
أشهر الحج، وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج
إلى العمرة كان مخصوصًا في تلك السنَة؛ للحكمة التي قدّمنا ذكرها.
قال ابن عبد البر - رَحِمَهُ اللهُ -: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقول الله
تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] هو الاعتمار
في أشهر الحج قبل الحج، قال: ومن التمتع أيضًا القران؛ لأنه تمتع بسقوط
سفره للنسك الآخر من بلده، قال: ومن التمتع أيضًا فسخ الحج إلى العمرة.
انتهى كلام القاضي.
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكر ما تقدّم: والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما
إنما نَهَوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج، ثم الحج من عامه،
ومرادهم نهيُ أولوية؛ للترغيب في الإفراد؛ لكونه أفضل، وقد انعقد الإجماع
بعد هذا على جواز الإفراد، والتمتع، والقران من غير كراهة، وانما اختلفوا
في الأفضل منها، وقد سبقت هذه المسألة في أوائل هذا الباب مستوفاةً. انتهى
كلام النوويّ.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير
ينهى عنها"؛ هذه المتعة التي اختلفا فيها: هي فسخ الحج في العمرة التي
أمرهم بها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يرى أن ذلك جائز لغير الصحابة،
وكان ابن الزبير - رضي الله عنهما - يرى أن ذلك خاص بهم، وهي التي قال فيها جابر بن
عبد الله - رضي الله عنه -: على يدي دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهي التي
منعها عمر - رضي الله عنه -، واستَدَلَّ على منعها بقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}،
ولا معنى لقول مَن قال: إن اختلافهما كان في الأفضل بين المتعة التي هي
الجمع بين الحج والعمرة في عام واحد وسفر واحد، وبين غيرها من الإفراد
والقران؛ لأنه لو كان اختلافهما في ذلك لكان استدلال عمر ضائعًا؛ إذ كان