(قَالَ) أبو نضرة (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) أي: اختلافهما في المتعة (لِجَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ) - رضي الله عنهما - (فَقَالَ) جابر - رضي الله عنه - (عَلَى يَدَيَّ دَارَ الْحَدِيثُ) أي: حديث جواز
المتعة (تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ) أي: بأمر الخلافة بعد وفاة أبي
بكر - رضي الله عنهما - (قَالَ: إِنَّ الله كَانَ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ) أي: بالوحي
الذي شاء إنزاله، من الآياتِ القرآنيّة، أو بالأحاديث النبويّة (وَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ
مَنَازِلَهُ) أي: استقرت أحكامه، وثبتت معالمه، فلا يقبل النسخ ولا التبديل،
بعد أن توفي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويعني بذلك: أن متعة الحج قد رفعت لَمّا أمر الله
بإتمام الحج والعمرة، ومتعة النِّكَاح أيضًا كذلك؛ لما ذكر الله شرائط النِّكَاح
في كتابه، وبيّن أحكامه، فلا يزاد فيها، ولا ينقص منها شي، ولا يغيّر (?).
(فَأَتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ) أي: بقوله - عَزَّوَجَلَّ -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، أراد بذلك أن الأمر بالإتمام يقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ
الحجِّ، ومنع التحلّل، والمتمتّع يتحلّل، ويستمتع بما كان محظورًا عليه.
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فأتموا الحجِّ والعمرة لله كما أمر الله"، وفي
الرواية الأخرى عن عمر - رضي الله عنه -: "فافصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم
لحجكم، وأتمّ لعمرتكم"، وذكر بعد هذا من رواية أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه -
أنه كان يفتي بالمتعة، ويحتج بأمر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - له بذلك، وقول عمر - رضي الله عنه -: إن
ناخذ بكتاب الله، فإن الله تعالى أمر بالإتمام، وذكر عن عثمان أنه كان ينهى
عن المتعة، أو العمرة، وأن عليّا خالفه في ذلك، وأهلّ بهما جميعًا، وذكر
قول أبي ذرّ - رضي الله عنه -: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصّةً، وفي
رواية: رخصةً، وذكر قول عمران بن حصين - رضي الله عنهما - أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعمر طائفةً من
أهله في العشر، فلم تنزل آية تفسخ ذلك، وفي رواية: جمع بين حج وعمرة،
ثم لَمْ ينزل فيها كتاب، ولم ينه.
قال المازريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اختُلِف في المتعة التي نَهَى عنها عمر في الحجِّ،
فقيل: هي فسخ الحج إلى العمرة، وقيل: هي العمرة في أشهر الحجِّ، ثم