(المسألة الرابعة): في بيان اختلاف أهل العلم في حكم فسخ الحج
بعمل العمرة لمن لَمْ يسق الهدي:
اختلفوا في هذا الفسخ، هل هو خاصّ بالصحابة تلك السنَة، أم عامّ لهم
ولغيرهم إلى يوم القيامة؟
فذهب أحمد، والظاهريّة، وعامّة أهل الحديث إلى أنه ليس خاصًّا، بل
هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكلّ من أحرم بحجّ مفردًا، أو قارنًا، وليس
معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة، ويتحلّل بأعمالها، بل هذا هو المستحبّ عند
الإمام أحمد، وأوجبه الظاهريّة.
وذهب مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء، من السلف
والخلف إلى أنه مختصّ بهم في تلك السنة، لا يجوز بعدها، وإنما أُمروا به
تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهليّة، من تحريم العمرة في أشهر الحجِّ.
واستُدلّ للجمهور بحديث أبي ذر زم - رضي الله عنه - عند مسلم: "قال: كانت المتعة
في الحجِّ لأصحاب محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصّة"، وفي رواية: "قال: كانت لنا رخصة"
يعني المتعة في الحجِّ، ومراد أبي ذرّ - رضي الله عنه - بالمتعة المذكورة المتعة التي أمر
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها أصحابه، وهي فسخ الحج إلى العمرة، واستدلوا على أن الفسخ
المذكور هو مراد أبي ذر - رضي الله عنه - بما رواه أبو داود بسنده أن أبا ذرّ - رضي الله عنه - كان
يقول فيمن حجّ، ثم فسخها بعمرة: لَمْ يكن ذلك إلَّا للركب الذين كانوا مع
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالوا: فهذه الرواية فيها التصريح من أبي ذرّ بفسخ الحجِّ
بالعمرة، وهي تفسير مراده بالمتعة في رواية مسلم.
وردّ عليهم بأن هذه الرواية ضعيفة؛ لأن في سندها محمد بن إسحاق،
وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة.
واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وابن ماجة،
والدارميّ من طريق ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن، عن الحارث بن بلال بن
الحارث، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، فسخ الحجِّ لنا خاصّة، أم
للناس عامة؟ قال: "بل لكم خاصّه". وردّ عليهم بأنه ضعيف أيضًا لجهالة
الحارث بن بلال، وقال أحمد رحمه الله تعالى: حديث بلال بن الحارث
عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يُعرف هذا الرجل - يعني الحارث بن بلال