قال الحافظ وليّ الدين رحمه الله عند قوله: "غير أن لا تطوفي بالبيت حتى
تطهري":
فيه نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها، وتغتسل، والنهي في
العبادات يقتضي الفساد، وذلك يقتضي بطلان الطواف لو فعلته، وفي معناه
الجنابة، وكذا سائر الأحداث، وهذا يدلّ على اشتراط الطهارة في صحّة
الطواف، وقد ذكر هذا الاستدلال ابن المنذر، وغيره.
ويدلّ له أيضًا ما رواه البيهقيّ وغيره من حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أن
النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام"، لكن
الصحيح وقفه على ابن عبّاس، كما ذكره البيهقيّ وغيره، وقد يقال: إنه مرفوع
حكمًا، وإن لم يكن مرفوعًا لفظًا؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي.
ويدلّ له أيضًا ما رواه البخاريّ، ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
أول شيء بدأ به حين قدم مكة أن توضأ، ثم طاف بالبيت"، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-:
"خذوا عني مناسككم".
وبهذا قال مالك، والشافعيّ، وأحمد، وأكثر العلماء من السلف
والخلف، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، والحسن بن عليّ، وأبي العالية،
ومالك، والثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وحكاه الخطابيّ
عن عامة أهل العلم، وحكاه النوويّ في "شرح المهذّب" عن عامة العلماء.
قال: وانفرد أبو حنيفة، فقال: الطهارة ليست بشرط للطواف، فلو طاف،
وعليه نجاسة، أو محدثًا، أو جنبًا صحّ طوافه، واختلف أصحابه في كون
الطهارة واجبة مع اتفاقهم على أنها ليست شرطًا، فمن أوجبها منهم قال: إن
طاف محدثًا لزمه شاة، وإن طاف جنبًا لزمه بدنة، قالوا: ويعيد ما دام بمكة.
وعن أحمد روايتان: إحداهما: كمذهبنا -يعني الشافعيّة- والثانية: إن
أقام بمكة أعاده، وإن رجع إلى بلده جبره بدم.
وقال داود: الطهارة للطواف واجبة، فإن طاف محدثًا أجزأه، إلا
الحائض، وقال المنصوريّ من أصحاب داود ة الطهارة شرط كمذهبنا. انتهى.
قال وليّ الدين: وفيما ذكره من انفراد أبي حنيفة بذلك نظر، فقد روى
ابن أبي شيبة في "مصنّفه" عن غندر، عن شعبة، قال: سألت الحكم، وحمادًا،