حديث "سعيت قبل أن أطوف، قال: طف ولا حرج" يردّ عليه، والحقّ أن
تقديم السعي على الطواف جائزٌ، فتنبه، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي) أي: حيث لم أعتمر عمرة
مستقلّة، كسائر أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- (أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ) "إنّ"
الأولى بالكسر؛ لوقوعها في الابتداء، والثانية بالفتح؛ لوقوعها موقع المفرد؛
لأنها مفعول "أجد"، وهي من النواسخ التي تنصب المبتدأ والخبر، كـ"ظنّ"
وأخواتها، والتقدير هنا: إني أجد في نفسي عدمَ طوافي بالبيت نقصًا عليّ،
والله تعالى أعلم.
وقولها: (حَتَّى حَجَجْتُ) متعلّق بـ"أطف"؛ أي: إلى أن انتهيتُ من الحجّ
(قَالَ: "فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ"، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ)
بفتح الحاء، وسكون الصاد المهملتين؛ أي: ليلة المبيت بالمحصّب بعد النفر
من منى.
قال القرطبيّ رحمه الله: "ليلةُ الحصبة": هي الليلة التي ينزل الناس فيها
المحصّب عند انصرافهم من منى إلى مكة، والتحصيب: إقامتهم بالمحصّب،
وهو الشِّعْب الذي مخرجه إلى الأبطح، وهو منزل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين انصرف من
حجته، وهو خيف بني كنانة الذي تقاسمت فيه في الصحيفة التي كتبوها
بمقاطعة بني هاشم، وهو بين مكة ومنى، وربما يُسمّى الأبطح، والبطحاء؛
لقربه منه.
وقال الأبيّ رحمه اللهُ: والمحصّب موضع بين مكة ومنى، وهو إلى منى
أقرب، وإلى منى يُضاف، ودليله قول الشافعيّ، وهو عالم بمكة وأحوازها [من
الكامل]:
يَا رَاكِبًا قِفْ بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى ... وَاهْتِفْ بِنَاطِقِ خَيْفِهَا وَالنَّاهِضِ
قال: وإنما يتمّ الاحتجاج بالبيت إن جُعل "من منى" في موضع الصفة
و"المحصّب"، وأما إذا عُلِّقَ بـ"راكبًا" فلا تكون فيه حجة.
قال الجامع عفا الله عنه: الوجه الأول هو الظاهر، فلا يُعدل عنه، فتنبّه.
قال: ونظير البيت قول عمر بن ربيعة [من الطويل]:
نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى