واعلم أن طهر عائشة -رضي الله عنها- هذا المذكور كان يوم السبت، وهو يوم النحر
في حجة الوداع، وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضًا لثلاث خَلَون من
ذي الحجة سنة عشر، ذكره أبو محمد بن حزم في "كتاب حجة الوداع" (?).
(طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي: سعت بينهما (ثُمَّ قَالَ: "قَدْ حَلَلْتِ
مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا") هذا صريح في أن عمرتها لم تَبْطُل، ولم تخرج
منها، وأن قوله -صلى الله عليه وسلم- في الرواية المتقدّمة: "ارفُضي عمرتك"، و"دَعِي عمرتك"
ليس معناه إبطالها بالكلية، والخروج منها، فإن العمرة، والحجّ لا يصحّ
الخروج منهما بعد الإحرام بنيّة الخروج، وإنما يُخرَج منهما بالتحلل بعد
فراغهما، فيكون معناه: ارفضي العمل فيها، وإتمام أفعالها التي هي الطواف،
والسعي، وتقصير شعر الرأس، فأمرها -صلى الله عليه وسلم- بالإعراض عن أفعال العمرة، وأن
تُحْرِم بالحجّ، فتصير قارنة، وتقف بعرفات، وتفعل المناسك كلها إلا الطواف
بالبيت، فتؤخّره حتى تطهر، وكذلك فعلت عائشة -رضي الله عنها-، فقوله -صلى الله عليه وسلم- هنا: "قد
حَلَلْتِ من حجتك، وعمرتك جميعًا" يوضّح هذا التأويل.
قال النووي رحمه الله: يُستنبط منه -أي: من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قد حَلَلتِ من
حجتك، وعمرتك جميعا"- ثلاث مسائل:
[إحداها]: أن عائشة -رضي الله عنها- كانت قارنة، ولم تبطل عمرتها، وأن الرفض
المذكور مُتَأَوَّلٌ، كما سبق.
[والثانية]: أن القارن يكفيه طواف واحد، وسعيٌ واحد، وهو مذهب
الشافعيّ، والجمهور، وقال أبو حنيفة، وطائفة: يلزمه طوافان وسعيان،
والحديث يردّ عليهم.
[والثالثة]: أن السعي بين الصفا والمروة يُشتَرط وقوعه بعد طواف
صحيح، وموضع الدلالة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تصنع ما يصنع الحاجّ،
غير الطواف بالبيت، ولم تسع كما لم تطف، فلو لم يكن السعي متوقّفًا على
تقدم الطواف عليه لَمَا أخّرته. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في هذا الاستدلال نظر لا يخفى؛ فإن