فيه، وهو قوله: "قال الحكم: كأنهم يترددون"، وكذا رواه ابن أبي شيبة عن
الحكم، ومعناه أن الحكم شكّ في لفظ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذا، مع ضبطه لمعناه،
فشكّ هل قال: يترددون، أو نحوه من الكلام، ولهذا قال بعده: "أحسب" أي:
أظنّ. أن هذا لفظه، ويؤيده قول مسلم بعده في حديث غندر: "ولم يذكر الشكّ
من الحكم في قوله: يترددون"، والله أعلم. انتهى (?).
(وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي) أي: من
الميقات (حَتَّى أَشْتَرِيَهُ) أي: من مكة، أو من الطريق، قال الطيبيّ رحمه الله: "حتى"
بمعنى "كي"، و"أشتريه" منصوب به. انتهى (?). (ثُمَّ أَحِلَّ) بالنصب عطفًا على
"أشتريَهُ"، ويوجد مضبوطًا بضبط القلم "أَحِلُّ" بالرفع، فعليه يكون بتقدير مبتدإ؛
أي: فأنا أحلّ (كَمَا حَلُّوا") أي: مثل حلّ الصحابة المأمورين به.
قال القرطبيّ رحمه الله: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو استقبلت من أمري ... إلخ" هذا يدل
على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن أحرم به متحتمًا متعينًا عليه، وأنه كان مخيَّرًا بين أنواع
الإحرام، فأحرم بأحدها، ثم إنه لما قلَّد الهدي لم يمكنه أن يتحلل حتى ينحره
يوم النحر بمحله، فمعنى الكلام: لو ظهر لي قبل الإحرام ما ظهر عند دخول
مكة من توقف الناس عن التحلل بالعمرة لأحرمت بعمرة، ولما سُقْتُ الهدي،
وإنما قال ذلك تطييبًا لنفوسهم، وتسكينًا لهم. انتهى (?).
وقال الأبّيّ رحمه الله: قوله: "لو استقبلت إلخ" يدلّ على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان مُهلًّا
بالحجّ، ويفسّره قوله في رواية أخرى: "لأهللتُ بالعمرة"، قال: والمعنى: أنه
لو أن هذا الذي رأيت في الآخر، وأمرتكم به من الفسخ عَنّ لي في أول الأمر
ما سُقت الهدي؛ لأن سوقه يمنع منه؛ لأنه لا يُنحر إلا بعد بلوغه محله يوم
النحر، وقال -صلى الله عليه وسلم- ذلك تطييبًا لنفوسهم حين رآهم يتوقّفون عن الإحلال؛ تأسّيًا
به؛ لأنه لم يحلّ، وشقّ عليهم أن يحلّوا، ويبقى هو محرمًا، وما كانوا ليرغبوا
بأنفسهم عن نفسه، فطيَّب نفوسهم بذلك، قال: ولا يؤخذ منه أن التمتّع
أفضل؛ لأنه تمنّى أن يكون متمتّعًا، وإنما يَتمنّى الأفضل، ولأن الشيء قد