الحج إلى العمرة، قال النوويّ رحمه الله: أما غضبه -صلى الله عليه وسلم- فلانتهاك حرمة الشرع،
وتردّدهم في قبول حكمه، وقد قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65]، فغضب -صلى الله عليه وسلم-؛ لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع،
والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم. انتهى (?).
(فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ) هذا دعاء من
عائشة -رضي الله عنها-، أو إخبار منها بذلك، وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم
الشرع.
وقال القرطبيّ رَحمه اللهُ: كأنها سبق لها أن الذي يُغضب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما هو
منافقٌ، فدَعَت عليه بذلك. انتهى (?).
وقال الطيبيّ رحمه الله: قولها: "من أغضبك": "من" يجوز أن تكون شرطيّةً،
وجوابها "أدخله الله النار"، وأن تكون استفهاميّة على سبيل الإنكار، وقولها:
"أدخله الله النار" على هذا لا يكون إلا دعاءً، بخلاف الأول، فإنه يَحْتَمل
الدعاء، والإخبار. انتهى (?).
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("أَوَ مَا شَعَرْتِ) بفتح العين المهملة؛ أي: أَوَ ما عَلِمت (أَنِّي
أَمَرْتُ النَّاسَ) بفتح الهمزة؛ لوقوعها موقع المفرد؛ حيث وقعت مفعولًا
لـ"شَعَرتُ"؛ أي: أمري الناسَ، والمراد بعض الناس، وهم الذين أحرموا
بالحجّ مفردًا، أو أحرموا بالحج والعمرة قرانًا، ولم يكن معهم هدي، وقوله:
(بِأَمْرٍ) نتعلّق بـ"أمرتُ"؛ أي: وهو فسخ الحجّ (فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ") "إذا" هي
الْفُجائيّة؛ أي: ففاجأ أن بعضهم يترددون؛ أي: في طاعة الأمر، والمسارعة
فيه، أو في أن هذه الطاعةَ هل هي نقصان بالنسبة إلى حجهم؟ قاله القاري (?).
(قَالَ الْحَكَمُ: "كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ) قال القاضي عياض رحمه الله: كذا
وقع هذا اللفظ، وهو صحيح، وإن كان فيه إشكال، قال: وزاد إشكاله تغيير