غير طواف الوداع، وفيه دليل على أن طواف الوداع لا يجب على الحائض،
ولا يلزمها الصبر إلى طهرها لتأتي به، ولا دم عليها في تركه، قال
النوويّ رحمه الله: وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافّةً، إلا ما حكاه القاضي عن
بعض السلف، وهو شاذّ مردود. انتهى (?).
وقال في "الفتح": قوله: "فلا باس انفري" هو بيان لقوله في الرواية
الأخرى: "فلا إذًا"، وفي رواية: "قال: اخرجوا"، وفي رواية: "قال:
اخرجي"، وفي رواية: "فلتنفر"، ومعانيها متقاربة، والمراد بها كُلِّها الرحيل من
منى إلى جهة المدينة.
قال: وفي أحاديث الباب: أن طواف الإفاضة ركنٌ، وأن الطهارة شرط
لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجبٌ.
قال: واستُدِلّ به على أن أمير الحاجّ يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من
تحيض، ممن لم تطف للإفاضة.
وتُعُقّب باحتمال أن تكون إرادته -صلى الله عليه وسلم- تأخير الرحيل إكرامًا لصفية، كما
احتَبَس بالناس على عِقْد عائشة، وأما الحديث الذي أخرجه البزار، من حديث
جابر، وأخرجه البيهقيّ في "فوائده"، من طريق أبي هريرة مرفوعًا: "أميران،
وليسا بأميرين: من تَبعَ جنازةً، فليس له أن ينصرف حتى تُدْفَن، أو يأذن أهلها،
والمرأة تحجّ، أو تعتمر مع قوم، فتحيض قبل طواف الركن، فليس لهم أن
ينصرفوا حتى تَطْهَرَ، أو تأذن لهم"، فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان
صحيحًا، فان في إسناد كل منهما ضعفًا شديدًا.
وقد ذكر مالك في "الموطإ" أنه يلزم الْجَمَّالَ أن يحبس لها إلى انقضاء
أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء، واستشكله ابن الْمَوَّاز بأن فيها تعريضًا
للفساد، كقطع الطريق، وأجاب عياض بان محل ذلك مع أمن الطريق، كما أن
محله أن يكون مع المرأة محرم. انتهى (?).
وقولها: (وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أنَا مُصْعِدَةٌ، وَهُوَ
مُنْهَبِطٌ مِنْهَا) معنى "مُصعد من مكة" أي: ذاهبٌ منها، يقال: أصعد في