وتُعُقّب بأن في رواية عطاء عنها ضعفًا، بل الرافع للإشكال في ذلك هو

ما رواه مسلم من حديث جابر: "أن عائشة أهلّت بعمرة، حتى إذا كانت بِسَرِف

حاضت، فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: أهلّي بالحج، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة،

وسعت، فقال: قد حللت من حجك وعمرتك، قالت: يا رسول الله، إني أجد

في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال: فأعمرها من التنعيم".

ولمسلم من طريق طاوس عنها: "فقال لها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: طوافك يسعك

لحجك وعمرتك"، فهذا صريح في أنها كانت قارنةً؛ لقوله: "قد حللت من

حجك وعمرتك"، وإنما أعمرها من التنعيم تطييبًا لقلبها؛ لكونها لم تطف

بالبيت لَمّا دخلت معتمرةً، وقد وقع في رواية لمسلم أيضًا: "وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم-

رجلًا سهلًا إذا هَوِيَت الشيء تابعها عليه"، أفاده في "الفتح" (?).

وقولها: (قَالَتْ صَفِيَّةُ) بنت حييّ بن أخطب الإسرائيليّة، أم المؤمنين -رضي الله عنها-،

تزوّجها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد خيبر، وماتت سنة ستّ وثلاثين من الهجرة، وقيل: في

ولاية معاوية -رضي الله عنه-، وهو الصحيح، أخرج لها الجماعة، ولها في هذا الكتاب

حديث واحد سيأتي في "كتاب السلام" برقم (2175) وسنستوفي ترجمتها هناك

-إن شاء الله تعالى-.

وقولها: (مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ) بضم الهمزة؛ أي: ما أظنّ نفسي إلا

مانعتكم عن الرجوع إلى المدينة، قال النوويّ رحمه الله: معناه أن صفية أم

المؤمنين -رضي الله عنها- حاضت قبل طواف الوداع، فلما أراد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الرجوع إلى

المدينة، قالت: ما أظنني إلا حابستكم لانتظار طهري، وطوافي لِلْوَدَاع، فإني

لم أطف للوداع، وقد حضتُ، ولا يمكنني الطواف الآن، وظَنَّتْ أن طواف

الوداع لا يسقط عن الحائض، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أما كنتِ طُفْتِ طواف الافاضة

يوم النحر؟ قالت: بلى، قال: يكفيك ذلك"؛ لأنه هو الطواف الذي هو ركنٌ،

ولا بدّ لكل أحد منه، وأما طواف الوداع فلا يجب على الحائض. انتهى (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قول صفية -رضي الله عنها-: "ما أراني إلا حابستكم"؛ ظنت

أنها لا بدَّ لها من طواف الوداع، وأنها لا تطوف حتى تطهر، ومن ضرورة ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015