متمتعةً، وعلى هذا يتنزل حديث عروة، ثم لما دخلت مكة وهي حائض، فلم
تقدر على الطواف لأجل الحيض أمرها أن تُحرِم بالحج، والله تعالى أعلم.
وقولها: (فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ) أرادت غيرها؛ لقولها بعده: "فلم
أطف"، فإنه تبيّن به أن قولها: "تطوّفنا" من العام الذي أريد به الخاص، قاله
في "الفتح".
وقولها: (فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ) أي: من
الحجّ بعمل العمرة، وهذا هو معنى فسخ الحجّ إلى العمرة، وسيأتي تحقيق
الخلاف في ذلك -إن شاء الله تعالى-.
وقولها: (وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ، فَأَحْلَلْنَ) أي: وهي منهنّ، لكن منعها
من التحلل كونها حاضت ليلة دخولهم مكة، وقد مضى بيان ذلك، وأنها
بكت، وأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "كوني في حجك"، فظاهره أنه -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن
تجعل عمرتها حجّا، ولهذا قالت: "يرجع الناس بحج وعمرة، وأرجع بحج"،
فأعمرها لأجل ذلك من التنعيم، وقال مالك: ليس العمل على حديث عروة
قديمًا ولا حديثًا، قال ابن عبد البر: يريد ليس عليه العمل في رفض العمرة،
وجعلها حجًّا، بخلاف جعل الحج عمرة، فإنه وقع للصحابة، واختُلِف في
جوازه من بعدهم، لكن أجاب جماعة من العلماء عن ذلك باحتمال أن يكون
معنى قوله: "ارفُضي عمرتك" أي: اتركي التحلل منها، وأدخلي عليها الحج،
فتصير قارنةً، ويؤيِّده قوله في رواية لمسلم: "وأمسكي عن العمرة"؛ أي: عن
أعمالها.
وقوله: (يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ) إنما قالت
عائشة -رضي الله عنها-: "وأرجع بحجّ"؛ لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل، كما
وقع لغيرها من أمهات المؤمنين، قيل: ويُبعد هذا التأويل قولها في رواية عطاء
عنها: "وأرجع أنا بحجة ليس معها عمرة"، أخرجه أحمد، وهذا يقوّي قول
الكوفيين: إن عائشة تركت العمرة، وحجت مفردة، وتمسكوا في ذلك بقولها
في الرواية المتقدمة: "دعي عمرتك"، وفي رواية: "ارفُضي عمرتك"، ونحو
ذلك، واستدلوا به على أن للمرأة إذا أهلّت بالعمرة متمتعةً، فحاضت قبل أن
تطوف أن تترك العمرة، وتُهِلّ بالحج مفردًا كما فعلت عائشة -رضي الله عنها-.