فيه تحريف والصواب: فارتحل الناس، ثم طاف بالبيت إلخ، وكذا وقع عند
أبي داود، من طريق أبي بكر الحنفيّ، عن أفلح، بلفظ: "فأَذَّن في أصحابه
بالرحيل، فارتحل، فمرّ بالبيت قبل صلاة الصبح، فطاف به حين خرج، ثم
انصرف متوجهاً إلى المدينة".
وفي رواية مسلم: "فآذن في أصحابه بالرحيل، فخرج، فمَرّ بالبيت،
فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة"، وقد أخرجه البخاري من
هذا الوجه بلفظ: "فارتحل الناس، فمَرّ متوجهاً إلى المدينة"، أخرجه في "باب
الحج أشهر معلومات".
[تنبيه]: احتجّ الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- بهذا الحديث على أن المعتمر إذا
توجه إلى بلده بعد انتهاء أفعال العمرة، يجزؤه عن طواف الوداع، ودونك
نصّه: "باب المعتمرِ إذا طاف طواف العمرة، ثم خرج، هل يجزئه من طواف
الوداع؟ "، ثم أورد حديث عائشة هذا، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن أبي
بكر - رضي الله عنه -: "اخرُج بأختك من الحرم، فلتهلّ بعمرة، ثم افرُغا من
طوافكما ... " الحديث، فلما فرغا من أفعال العمرة قال: "أفرغتما؟ "، فنادى
بالرحيل، ولم يأمرهما بطواف الوداع.
قال ابن بطال -رَحِمَهُ اللهُ-: لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف، فخرج
إلى بلده أنه يجزئه من طواف الوداع، كما فعلت عائشة - رضي الله عنها -. انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: ويستفاد من قصة عائشة - رضي الله عنها - أن السعي إذا وقع بعد
طواف الركن، إن قلنا: إن طواف الركن يغني عن طواف الوداع أنّ تخلل
السعي بين الطواف والخروج لا يقطع أجزاء الطواف المذكور عن الركن
والوداع معاً. انتهى، وهو بحث مهمّ مفيدٌ جدّاً.
وحاصله أن من جعل طوافه للركن آخر العهد بالبيت، سواء كان طواف
الحجّ، أو طواف العمرة، أجزأه عن طواف الوداع، ولا يضرّه تخلّل السعي
بين الطواف والخروج من مكة، فتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله، والله تعالى
أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.