والجواب عن قياسهم على الجهاد أنه لا نسلّم وجوب الجهاد على الفور، بل هو موكول إلى رأي الإمام بحسب المصلحة في الفور والتراخي، وأيضًا في تأخير الجهاد ضررٌ على المسلمين، بخلاف الحجِّ.
والجواب عن قولهم: إذا أخّره، ومات هل يموت عاصيًا؟ الصحيح عندنا موته عاصيًا، وإنما عصى لتفريطه بالتأخير إلى الموت، وإنما جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة، كما إذا ضرب ولده، أو زوجته، أو ضرب المعلّم الصبيّ، أو عزّر السلطان إنسانًا، فمات، فإنه يجب الضمان؛ لأنه مشروط بسلامة العاقبة. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - باختصار، وتصرّف (?)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ومن الدليل على أن الحجِّ على التراخي إجماع العلماء على ترك تفسيق القادر على الحجِّ إذا أخّره العامَ والعامين، ونحوهما، وأنه إذا حجّ من بعد أعوام من حين استطاعته، فقد أدّى الحجِّ الواجب عليه في وقته، وليس هو عند الجميع كمن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها، فقضاها بعد خروج وقتها، ولا كمن فاته صيام رمضان لمرض، أو سفر، فقضاه، ولا كمن أفسد حجّه، فقضاه، فلما أجمعوا على أنه لا يقال لمن حجّ بعد أعوام من وقت استطاعته: أنت قاضٍ لما وجب عليك، علمنا أن وقت الحجِّ موسّع فيه، وأنه على التراخي، لا على الفور. انتهى كلام ابن عبد البرّ (?)، وهو تحقيق نفيسٌ أيضًا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذكر من الأقوال وأدلّتها أن الأرجح قول من قال: إن وجوب الحجِّ على التراخي؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في بيان فوائد الحجِّ: لقد اعتنى العلماء بذكر فوائد الحجِّ، ومنهم الشاه وليّ الله الدهلويّ - رَحِمَهُ اللهُ -،