زكاة في أموالنا، قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك، أن علينا صوم شهر رمضان، في سنتنا، قال: "صدق"، قال: فبا لذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك، أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا، قال: "صدق"، قال: ثم ولَّي، قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لئن صدق ليدخلن الجَنَّة". رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاريّ أصله.
وفي راوية للبخاريّ أن هذا الرجل ضمام بن ثعلبة، وقدوم ضمام على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان سنة خمس من الهجرة، قاله محمد بن حبيب، وآخرون، وقال غيرهم: سنة سبع، وقال أبو عبيد: سنة تسع، وقد صرّح في الحديث بوجوب الحجِّ.
وأما الجواب عن احتجاج الحنفيّة بالآية الكريمة، وأن الأمر يقتضي الوجوب، فجوابه نعم يقتضي الفور، لكن إذا لَمْ تقم قرينة تصرفه إلى التراخي، وقد قامت هنا، وهي ما قدّمناه من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر أصحابه.
وأما الحديث: "من أراد الحجِّ فليعجل"، فإنه ضعيف، وأيضًا إنه حجة لنا؛ لأنه فوّض فعله إلى إرادته، واختياره، ولو كان على الفور لَمْ يفوّضه إلى اختياره.
وأما حديث: "فليمت إن شاء يهوديًا" فجوابه أنه ضعيف، وأيضًا الذمّ لمن أخّره إلى الموت، ونحن نوافق على تحريم تأخيره إلى الموت، والذي نقول بجوازه هو التأخير بحيث يُفعل قبل الموت، أوأنه محمول على من تركه معتقدًا عدم وجوبه مع الاستطاعة، فهذا كافرٌ، ويؤيّد هذا قوله: "فليمت، إن شاء يهوديًا، أو نصرانيًّا"، وظاهره أنه يموت كافرًا، ولا يكون ذلك إلَّا إذا اعتقد عدم وجوبه مع الاستطاعة، وإلا فقد أجمعت الأمة على أن من تمكن من الحجِّ، فلم يحجّ، ومات، لا يحكم بكفره، بل عاصٍ، فوجب تأويل الحديث لو صحّ.
والجواب عن قياسهم على الصوم أنه مُضيَّق، فكان فعله مُضَيَّقًا بخلاف الحجِّ.