ستّ من الهجرة، وهذه الآية دالّة على وجوب الحجِّ، وقد أجمع المسلمون على أن الحديبية كانت سنة ستّ من الهجرة في ذي القعدة، وثبت بالأحاديث الصحيحة، واتفاق العلماء أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غزا حُنينًا بعد فتح مكّة، وقسم غنائمها، واعتمر من سنته في ذي القعدة، وكان إحرامه بالعمرة من الجعرانة، ولم يبق بينه وبين الحجِّ إلَّا أيامٌ يسيرة، فلو كان على الفور لَمْ يرجع من مكّة حتى يحجّ مع أنه هو، وأصحابه كانوا حينئذ موسرين، فقد غنموا الغنائم الكثيرة، ولا عذر لهم، ولا قتال، ولا شغل آخر، وإنما أخّره - صلى الله عليه وسلم - عن سنة ثمان بيانًا لجواز التأخير، وليتكامل الإسلام، والمسلمون، فيحجّ بهم حجّةَ الوداع، ويحضرها الخلق، فيبلّغوا عنه المناسك، ولهذا قال في حجة الوداع: "ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، ولتأخذوا عني مناسككم"، ونزل فيها قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية.
قال أبو زرعة الرازيّ، فيما رويناه عنه: حضر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع مائة ألف، وأربعة عشر ألفًا، كلّهم قد رآه، وسمع منه. فهذا قول الإمام أبي زرعة الذي لَمْ يحفظ أحدٌ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كحفظه، ولا ما يقاربه.
[فإن قيل]: إنما أخّره إلى سنة عشر؛ لتعذّر الاستطاعة؛ لعدم الزاد والراحلة، أو الخوف على المدينة، والاشتغال بالجهاد.
[فجوابه]: ما سبق قريبًا.
واحتجّ أصحابنا أيضًا بحديث أنس - رضي الله عنه -، قال: نُهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، فكان يُعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله، ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد أتانا رسولك، فزعم لنا أنك تزعم، أن الله أرسلك، قال: "صدق"، قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله"، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله"، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله"، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك، أن علينا خمس صلوات، في يومنا وليلتنا، قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك، أن علينا