شهور السنة، فلما كانت سنة عشر حجّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجته المسمّاة بحجة الوداع، على ما يأتي بيانها في حديث جابر وغيره، ووافق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تلك السنة أن وقع الحجِّ في ذي الحجة في زمانه، ووقته الأصليّ، الذي فرضه الله فيه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ... " الحديث (?). انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (?).
وقال في "الفتح": واختُلف في وقت ابتداء فرضه، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذّ، وقيل: بعدها، ثم اختلف في سَنَته، فالجمهور على أنَّها سنة ستّ؛ لأنَّها نزل فيها قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيّده قراءة علقمة، ومسروق، وإبراهيم النخعيّ بلفظ: "وأقيموا"، أخرجه الطبريّ بأسانيد صحيحة عنهم. وقيل: المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدّم فرضه قبل ذلك. وقد وقع في قصّة ضمام بن ثعلبة ذكر الأمر بالحجّ، وكان قدومه على ما ذكر الواقديّ سنة خمس، وهذا يدلّ - إن ثبت - على تقدّمه على سنة خمس، أو وقوعه فيها. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: أرجح الأقوال عندي هو القول بأن فرض الحج كان سنة ستّ، أو قبلها؛ لوضوح قصّة كعب بن عجرة - رضي الله عنه - التي نزل بسببها قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في كون الحجِّ على الفور، أم على التراخي؟ :
قال الإمام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "شرح المهذّب" ما حاصله: ذهب إلى أن الحجِّ على التراخي: الشافعيُّ، والأوزاعيّ، والثوريّ، ومحمد بن الحسن، ونقله الماروديّ عن ابن عبّاس، وأنس، وجابر، وعطاء، وطاوس، - رضي الله عنهم -.
وذهب إلى أنه على الفور مالك، وأبو يوسف، والمزنيّ، وهو قول