هنا؛ إذ الكتاب مسوق لبيان أعمال الحجِّ، وأزمنته، وأمكنته، ثمّ سمّيت أمور الحجِّ كلّها مناسك.
قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: نَسَكَ لله يَنسُك نَسْكًا، من باب قتل: تطوّع بقربة، والنسك - بضمّتين -: اسم منه، وفي التنزيل: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}، والمنسك - بفتح السين، وكسرها: يكون زمانًا، ومصدرًا، ويكون اسم المكان الذي تُذبح فيه النَسِيكة، وهي الذبيحة، وزنًا ومعنىي، وفي التنزل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} بالفتح، والكسر في السبعة. ومناسك الحجِّ: عباداته. وقيل: مواضع العبادات، ومن فَعَل كذا عليه نُسُكٌ: أي دمٌ يُريقه، ونَسَكَ: تزهّد، وتعبّد، فهو ناسك، والجمع نُسّاك، مثلُ عابد وعُبّاد. انتهى (?).
وقال في "العمدة": المنسك المذبح، وقد نَسَك ينسُك نسكًا: إذا ذبح، والنسيكة: الذبيحة، وجمعها نُسُك، والنُّسُكُ أيضًا: الطاعة، والعبادة، وكلّ ما يُتقرّب به إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ -. والنسك: ما أَمَرت به الشريعة، والورع، وما نهت عنه، والناسك: العابد، وسئل ثعلبٌ عن الناسك ما هو؟ فقال: هو مأخوذ من النَّسِيكة، وهي سبيكة الفضّة، المصفّاة، كأنّ الناسك صفّى نفسه لله تعالى. انتهى (?)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في وقت ابتداء فرض الحجِّ: قال العلّامة القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "المفهم": واختُلف في زمان فرض الحجِّ، فقيل: سنة خمس من الهجرة، وقيل: سنة تسع، وهو الصحيح؛ لأن فتح مكّة كان في التاسع عشر من رمضان سنة ثمان من الهجرة، وحجّ بالناس في تلك السنة عَتّاب بن أَسيد، ووقف بالمسلمين، ووقف المشركون على ما كانوا عليه في الجاهليّة، فلما كانت سنة تسع فُرض الحجِّ، ثم إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أبا بكر، فحجّ بالناس تلك السنة، ثم أتبعه عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بسورة براءة، فقرأها على الناس في الموسم، ونبذ للناس عهدهم، ونادى في الناس أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان. ووافقت حجة أبي بكر في تلك السنة أن كانت في شهر ذي القعدة، على ما كانوا يديرون الحجِّ في كلّ شهر من