وقيل: يَحْتَمِل أن يكون ذلك؛ لكونه يترك العمل في بعض الأحيان، وهو يُحبّ أن يعمله؛ خشيةَ أن يُظنّ وجوبه. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أقرب الأجوبة، وأظهرها حمل نفيها على علمها، فلا يلزم من نفي علمها نفي صومه - صلى الله عليه وسلم -، كما مرّ التوجيه بذلك لقولها: "ما سبّح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبحة الضحى"، متّفقٌ عليه.
والحاصل أن قول عائشة - رضي الله عنها - هذا لا ينافي استحباب صوم تسع ذي الحجة، ولا سيّما اليوم التاسع لغير الحاجّ؛ للأدلة الكثيرة على ذلك:
(فمنها): ما تقدّم في فضل صوم يوم عرفة، وأنه يكفّر ذنوب سنتين.
(ومنها): حديث هُنيدة بن خالد المذكور، وهو حديث صحيح، راجع الكلام فيه في "شرحي على النسائيّ" (?).
(ومنها): ما أخرجه البخاريّ من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "ما الْعَمَلُ في أَيَّامٍ العشر أَفْضَلَ من العمل في هذه"، قالوا: ولا الْجِهَادُ؟ قال: "ولا الْجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فلم يَرْجِعْ بِشَيْءٍ"، وأخرجه أبو داود، ولفظه: "ما من أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فيها أَحَبُّ إلى اللهِ، من هذه الْأَيَّامِ - يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ - قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قال: ولا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ ... " الحديث، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [4/ 2789 و 2790] (1176)، و (أبو داود) في "الصوم" (2439)، و (الترمذيّ) في "الصوم" (756)، و (النسائيّ) في "الكبرى" (2/ 165)، و (ابن ماجة) في "الصيام" (1729)، و (ابن أبي شيبة) في "مصنّفه"