والجواب عما احتجّ به الآخرون: أنه لا يصحّ، أما حديثهم عن عمر فتفرد به عبد الله بن بديل، وهو ضعيف، قال أبو بكر النيسابوريّ: هذا حديث منكر، والصحيح عنه ما أخرجه البخاريّ الذي ذكرناه آنفًا.
وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فموقوف عليها، ومن رفعه فقد وَهِمَ، ولو صحّ فالمراد به الاستحباب، فإن الصوم فيه أفضل (?).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من بيان الأقوال، وأدلتّها أن الأرجح أنه لا يُشترط الصوم للاعتكاف؛ لقوّة دليله، وأنه لا حدّ لأقل الاعتكاف، بل ما يُطلق عليه الاسم؛ لإطلاق الأدلّة، لكن كونه في العشر الأواخر من رمضان هو الأولى؛ اقتداء بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في خروج المعتكِف من محل اعتكافه:
قال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: ليس للمعتكف الخروج من معتكفه إلَّا لما لا بُدّ له منه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: السنة للمعتكف أن لا يخرج إلَّا لما لا بدّ له منه، رواه أبو داود، وقالت أيضًا: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه، فأُرَجِّله، وكان لا يدخل البيت إلَّا لحاجة الإنسان"، مُتَّفَقٌ عليه. ولا خلاف في أن له الخروج لما لا بُدّ له منه، قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، ولأن هذا مما لا بدّ منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه لَمْ يصح لأحد الاعتكاف، ولأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف، وقد علمنا أنه كان يخرج لقضاء حاجته، والمراد بحاجة الإنسان البول والغائط، كُنِي بذلك عنهما؛ لأن كلّ إنسان يحتاج إلى فعلهما، وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب؛ إذا لَمْ يكن له من يأتيه به، فله الخروج إليه إذا احتاج إليه، وإن بَغَتَهُ القيء، فله أن يخرج ليتقيأ خارج المسجد، وكل ما لا بدّ له منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فله الخروج إليه، ولا يفسد اعتكافه، وهو عليه ما لَمْ يَطُل، وكذلك