قال الجامع عفا الله عنه: عندي أقرب الأقوال، وأظهرها أن الاعتكاف لا يجوز إلَّا في مسجد تقام فيه الجماعة، كما حقّقه ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهَ - فتأمّل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في مدّة الاعتكاف، وفي اشتراط الصوم فيه:
قال في "الفتح": واتَّفَقوا على أنه لا حدّ لأكثره، واختلفوا في أقله فمن شَرَط فيه الصيام قال: أقله يوم، ومنهم من قال: يصح مع شرط الصيام في دون اليوم، حكاه ابن قدامة، وعن مالك: يشترط عشرة أيام، وعنه: يوم أو يومان، ومن لَمْ يشترط الصوم قالوا: أقله ما يُطْلَق عليه اسم لَبْث، ولا يشترط القعود، وقيل: يكفي المرور مع النية، كوقوف عرفة.
ورَوَى عبد الرزاق عن يعلى بن أمية الصحابي - رضي الله عنه -: إني لأمكث في المسجد الساعةَ، وما أمكث إلَّا لأعتكف. انتهى (?).
وقال ابن قُدامة - رَحِمَهُ اللهُ -: المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم، رُوي ذلك عن عليّ، وابن مسعود، وسعيد بن المسيِّب، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وعطاء، وطاوس، والشافعيّ، وإسحاق.
وعن أحمد رواية أخرى: أن الصوم شرط في الاعتكاف، قال: إذا اعتكف يجب عليه الصوم؛ وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وبه قال الزهريّ، ومالك، وأبو حنيفة، والليث، والثوريّ، والحسن بن حيّ؛ لما رُوي عن عائشة - رضي الله عنهما - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا اعتكاف إلَّا بصوم"، رواه الدارقطنيّ.
وعن ابن عمر: أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية، فسال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اعتكف، وصم"، رواه أبو داود.
واحتجّ الأولون بما رواه البخاريّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أوف بنذرك"، ولو كان الصوم شرطًا لما صَحَ اعتكافه بالليل.